من خلف حجاب الأسماء الإلهية فلم يتعلقلأعيان الممكنات علم بالله إلا من حيث هذهالأسماء عقلا و كشفا
(السؤال السادس عشر و مائة) ما شراب الحب
الجواب تجل متوسط بين تجليين و هو التجليالدائم الذي لا ينقطع و هو أعلى مقام يتجلىالحق فيه لعباده العارفين و أوله تجلىالذوق و أما التجلي الذي يقع به الري فهولأصحاب الضيق فغاية شربهم رى و أما أهلالسعة فلا رى لشربهم كأبي يزيد و أمثالهفأول ما أقدم في هذا السؤال معرفة الحب وحينئذ يعرف شرابه الذي أضيف إليه و كأسه
مراتب الحب
فاعلم إن الحب على ثلاث مراتب حب طبيعي وهو حب العوام و غايته الاتحاد في الروحالحيواني فتكون روح كل واحد منهما روحالصاحبه بطريق الالتذاذ و إثارة الشهوة ونهايته من الفعل النكاح فإن شهوة الحبتسري في جميع المزاج سريان الماء فيالصوفة بل سريان اللون في المتلون و حبروحاني نفسي و غايته التشبه بالمحبوب معالقيام بحق المحبوب و معرفة قدره و حب إلهيو هو حب الله للعبد و حب العبد ربه كما قاليُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و نهايته منالطرفين أن يشاهد العبد كونه مظهرا للحق وهو لذلك الحق الظاهر كالروح للجسم باطنهغيب فيه لا يدرك أبدا و لا يشهده إلا محب وأن يكون الحق مظهرا للعبد فيتصف بما يتصفبه العبد من الحدود و المقادير و الأعراض ويشاهد هذا العبد و حينئذ يكون محبوبا للحقو إذا كان الأمر كما قلناه فلا حد للحبيعرف به ذاتي و لكن يحد بالحدود الرسمية واللفظية لا غير فمن حد الحب ما عرفه و من لميذقه شربا ما عرفه و من قال رويت منه ماعرفه فالحب شرب بلا رى قال بعض المحجوبينشربت شربة فلم أضمأ بعدها أبدا فقال أبويزيد الرجل من يحسي البحار و لسانه خارجعلى صدره من العطش و هذا هو الذي أشرناإليه
الحب الطبيعي
و اعلم أنه قد يكون الحب طبيعيا و المحبوبليس من عالم الطبيعة و لا يكون الحب طبيعياإلا إذا كان المحب من عالم الطبيعة لا بدمن ذلك و ذلك أن الحب الطبيعي سببه نظرة أوسماع فيحدث في خيال الناظر مما رآه إن كانالمحبوب ممن يدرك بالبصر و في خيال السامعمما سمع فحمله في نشأته فصوره في خيالهبالقوة المصورة و قد يكون المحبوب ذا صورةطبيعية مطابقة لما تصور في الخيال أو دونذلك أو فوق ذلك و قد لا يكون للمحبوب صورة ولا يجوز أن يقبل الصور فصور هذا المحب منالسماع ما لا يمكن أن يتصور و لم يكن مقصودالطبيعة في تصوير ما لا يقبل الصورة إلااجتماعها على أمر محصور ينضبط لها مخافةالتبديد و التعلق بما ليس في اليد منهشيء فهذا هو الداعي لما ذكرناه من تصويرمن ليس بصورة أو من تصوير من لم يشهد لهصورة و إن كان ذا صورة و فعل الحب في هذهالصورة أن يعظم شخصها حتى يضيق محل الخيالعنها فيما يخيل إليه فتثمر تلك العظمة والكبر التي في تلك الصورة نحو لا في بدنالمحب فلهذا تنحل أجساد المحبين فإن موادالغذاء تنصرف إليها فتعظم و تقل عن البدنفينحل فإن حرقة الشوق تحرقه فلا يبقىللبدن ما يتغذى به و في ذلك الاحتراق نموصورة المحبوب في الخيال فإن ذلك أكلها ثمإن القوة المصورة تكسو تلك الصورة فيالخيال حسنا فائقا و جمالا رائقا يتغيرلذلك الحسن صورة المحب الظاهرة فيصفر لونهو تذبل شفته و تغور عينه ثم إن تلك القوةتكسو تلك الصورة قوة عظيمة تأخذها من قوةبدن المحب فيصبح المحب ضعيف القوي ترعدفرائصه ثم إن قوة الحب في المحب تجعله يحبلقاء محبوبه و يجبن عند لقائه لأنه لا يرىفي نفسه قوة للقائه و لهذا يغشى على المحبإذا لقي المحبوب و يصعق و من فيه فضلة و حبهناقص يعتريه عند لقاء محبوبه ارتعاد وخبلان كما قال بعضهم
أفكر ما أقول إذا افترقنا
فأنساها إذا نحن التقينا
و أنطق حينأنطق بالمحال
و أحكم دائباحجج المقال
و أنطق حينأنطق بالمحال
و أنطق حينأنطق بالمحال
ثم إن قوة الحب الطبيعي تشجع المحب بينيدي محبوبه له لا عليه فالمحب جبان شجاعمقدام فلا يزال هذا حاله ما دامت تلكالصورة موجودة في خياله إلى أن يموت و ينحلنظامه أو تزول عن خياله فيسلو و من الحبالطبيعي أن تلتبس تلك الصورة في خيالهفتلصق بصورة نفسه المتخيلة له و إذاتقاربت الصورتان في خياله تقاربا مفرطا وتلتصق به لصوق الهواء بالناظر يطلبه المحبفي خياله فلا يتصوره و يضيع و لا ينضبط لهللقرب المفرط فيأخذه لذلك خبال و حيرة مثلما يأخذ من فقد محبوبه و هذا هو الاشتياق والشوق من البعد و الاشتياق من القربالمفرط كان قيس ليلى في هذا المقام حيث