كان يصيح ليلى ليلى في كل ما يكلم به فإنهكان يتخيل أنه فقيد لها و لم يكن و إنما قربالصورة المتخيلة أفرطت في القرب فلميشاهدها فكان يطلبها طلب الفاقد أ لا تراهحين جاءته من خارج فلم تطابق صورتهاالظاهرة الصورة الباطنة المتخيلة التيمسكها في خياله منها فرآها كأنها مزاحمةلتلك الصورة فخاف فقدها فقال لها إليك عنيفإن حبك شغلني عنك يريد أن تلك الصورة هيعين الحب فبقي يطلبها ليلى ليلى فإذا تقوتتلك الصورة في خيال المحب أثرت في المحبوبتأثير الخيال في الحس مثل الذي يتوهمالسقوط فيسقط أو يتوهم أمرا ما مفزعافيتغير له المزاج فتتغير صورة حسه كذلكهذه الصورة إذا تقوت أثرت في المحبوبفقيدته و صيرته أشد طلبا لها منها له فإنالنفوس قد جبلت على حب الرئاسة و المحب عبدمملوك بحبه لهذا المحبوب فالمحبوب لا يكونله رياسة إلا بوجود هذا المحب فيعشقه علىقدر عشقه رياسته و إنما يتيه عليهللطمأنينة الحاصلة في نفس المحبوب بأنالمحب لا يصبر عنه و هو طالب إياه فتأخذهالعزة ظاهرا و هو الطالب له باطنا و لا يرىفي الوجود أحدا مثله لكونه ملكه فالمحب لايعلل فعل المحبوب لأن التعليل من صفاتالعقل و لا عقل للمحب يقول بعضهم
و لا خير في حب يدبر بالعقل
و أنشدني أبو العباس المقراني و كان منالمحبين لنفسه
الحب أملك للنفوس من العقل
و المحبوب يعلل أفعال المحب بأحسنالتعليل لأنه ملكه فيريد أن يظهر شرفه وعلوه حتى يعلو المحبوب إذ هو المالك و هويحب الثناء على نفسه و هذا كله فعل الحبفعل في المحبوب ما ذكرناه و فعل في المحبما ذكرناه و هذا من أعجب الأشياء أن المعنىأوجب حكمه لمن لم يقم به و هو المحبوب فإنهأثر فيه حب المحب كما أثر في المحب كمسألةالمعتزلي إن الله مريد بإرادة لم تقم بمحلبل خلقها إما في محل أو في لا محل و أرادبها و هذا خلاف المعقول إيجاب المعانيأحكامها لمن لم تقم به و كذلك الحب لايجتمع مع العقل في محل واحد فلا بد أن يكونحكم الحب يناقض حكم العقل
فالعقل للنطق و التهيام للخرس
ثم إنه من شأن الحب الطبيعي أن تكونالصورة التي حصلت في خيال المحب على مقدارالمحل الحاصلة فيه بحيث لا يفضل عنها منهما يقبل به شيئا أصلا و إن لم يكن كذلك فماهي صورة الحب و بهذا تخالف صورة الحب سائرالصور كما كانت صورة العالم على قدرالحضرة الإلهية الأسمائية فما في الحضرةالإلهية اسم إلهي إلا و هو على قدر أثره فينشء العالم من غير زيادة و لا نقصان ولهذا كان إيجاد العالم عن حب و قد ورد مايؤيد هذا في السنة و هو
قوله كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرففخلقت الخلق و تعرفت إليهم فعرفوني
فأخبر أن الحب كان سبب إيجاد العالم فطابقالأسماء الإلهية و لو لا تعشق النفسبالجسم ما تألم عند مفارقته مع كونه ضدا لهفجمع بين المقادير و الأحوال لوجود النسبو الأشكال فالنسب أصل في وجود الأنساب و إنكانت الأرواح تخالف الأشباح و المعانيتخالف الكلمات و الحروف و لكن تدل الكلمةعلى المعنى بحكم المطابقة بحيث لو تجسدالمعنى لما زاد على كمية الكلمة و مثل هذاالنوع يسمى حبا
الحب الروحاني
و أما الحب الروحاني فخارج عن هذا الحد وبعيد عن المقدار و الشكل و ذلك أن القويالروحانية لها التفات نسبي فمتى عمت النسبفي الالتفاتات بين المحب و المحبوب عن نظرأو سماع أو علم كان ذلك الحب فإن نقص و لمتستوف النسب لم يكن حبا و معنى النسب أنالأرواح التي من شأنها أن تهب و تعطيمتوجهة على الأرواح التي من شأنها أن تأخذو تمسك و تلك تتألم بعدم القبول و هذهتتألم بعدم الفيض و إن كان لا ينعدم إلا أنكونه لم تكمل شروط الاستعداد و الزمان سميذلك الروح القابل عدم فيض و ليس بصحيح فكلواحد من الروحين مستفرغ الطاقة في حبالآخر فمثل هذا الحب إذا تمكن من الحبيبينلم يشك المحب فرقة محبوبه لأنه ليس من عالمالأجسام و لا الأجساد فتقع المفارقة بينالشخصين أو يؤثر فيه القرب المفرط كما فعلفي الحب الطبيعي فالمعاني لا تتقيد و لاتتحيز و لا يتخيلها إلا ناقص الفطرة فإنهيصور ما ليس بصورة و هذا هو حب العارفينالذين يمتازون به عن العوام أصحاب الاتحادفهذا محب أشبه محبوبه في الافتقار لا فيالحال و المقدار و لهذا يعرف المحب قدرالمحبوب من حيث ما هو محبوب
الحب الإلهي
و أما الحب الإلهي فمن اسمه الجميل والنور فيتقدم النور إلى أعيان الممكناتفينفر عنها ظلمة نظرها إلى نفسها وإمكانها فيحدث لها بصرا هو بصره إذ لا يرىإلا به فيتجلى لتلك العين بالاسم الجميلفتتعشق به فيصير عين ذلك الممكن مظهرا لهفيبطن العين من الممكن فيه و تفني عن نفسهافلا تعرف أنها محبة له سبحانه أو تفني عنهبنفسها مع كونها