لا تقع أعينهم في الأشياء إلا على الحقفمنهم من يرى الحق في الأشياء و منهم منيرى الأشياء و الحق فيها و بينهما فرقانفإن الأول ما تقع عينه عند الفتح الأعلىالحق فيراه في الأشياء و الثاني تقع عينهعلى الأشياء فيرى الحق فيها لوجود الفتح وأصل ظهور هذا الفتح من الجناب الإلهي حالةقوله وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىنَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ فيرفعالابتلاء حجاب الدعوى الذي كان يدعيهالكون فيكون الكشف و هو التعلق الخاص منالعلم الإلهي بما وقع الأمر عليه فعلم صدقدعوى الكون من كذبه فمن هذه الصفة الإلهيةظهر فتح المكاشفة إذ لا يظهر في الوجود حكمإلا و له أصل في الجناب الإلهي إليهاستناده و لا يصح أن يكون الأمر إلا هكذافإنه قد ذكرنا في غير ما موضع أن علم اللهبالأشياء من علمه بنفسه فخرج العالم علىصورته فلا يشذ عنه حكم أصلا فهو سبحانه ربكل شيء و مليكه فالأشياء مرتبطة به في كلحال و ما هو في كل حال مرتبط بالأشياء ولهذا غلط من غلط من أصحابنا و من بعضالنظار في أنهم عرفوا الله ثم عرفواالأشياء فهم عرفوا الله من حيث إنه واجبالوجود لذاته و أنه لا يصح أن يكون ثم واجبالوجود لذاته فصحت أحدية واجب الوجود هذاكله صحيح لا نزاع فيه عند المنصف و لكن ليسالمقصود إلا علم كونه ربا لهذا العالم هذالا يعرفه ما لم تتقدم له معرفته بالعالمهذا ما يعطيه علم الكمل من رجال الله منأهل الحق و لهذا
قال عليه السلام من عرف نفسه عرف ربه
ما قال من عرف ربه عرف نفسه لأنه من حيثنفسه واجب الوجود و له الغني المطلق فلاالتفات للغني المطلق إلى غير ذاته إذ لوالتفت لم يصح ما قرره فلا يعلم أنه بإلهللعالم فإذا أراد أن يعلم أنه إله العالمنظر في العالم فرأى فيه حقيقة الافتقاربإمكانه إلى المرجح فلم يجد إلا هذاالواجب الوجود لذاته الذي أثبته بدليلهقبل أن ينظر في هذه المسألة الأخرى فأضافهإليه فقال هذا الواجب هو رب هذا العالم وبغير هذا الطريق في النظر فلا يعرف أنه إلهالعالم ثم إن أهل النظر انحجبوا عما ثبت فينفوسهم من افتقارهم حين صرفوا النظر إلىمعرفة واجب الوجود لذاته فإن ثبت عندهمبالدليل أظهر لهم إمكانهم و افتقارهم منحيث لا يشعرون أن ذلك الواجب الوجود هوالهم فقالوا علمنا بالله متقدم على علمنابالعالم و صدقوا ما قالوا علمنا بإلهناأنه إلهنا متقدم على علمنا بنا فلم يشعروابما وقعوا فيه من الغلط و علمت بذلكالأنبياء فجعلت العالم دليلا عليه و أعظمفتح المكاشفة في مثل هذه المسألة أن يرىالحق فيكون عين رؤيته إياه عين رؤيتهالعالم للارتباط المحقق فيكشف العالم منرؤيته الله تعالى و لكن هذه الدقيقة ليستلأهل النظر لأن النظر ليس في قوته ذلك وإنما هو من خصائص الكشف هذا أبلغ ما يمكنأن تحقق به هذه المسألة من تقدم العلمبالله من كونه إلها للعالم على العلمبالعالم فهذا لا يعرف إلا من فتوحالمكاشفة و ما رأيت أحدا من المتقدمين منأهل الله تعالى نبه في هذا الفتوح الكشفيعلى هذه المسألة على التعيين فاحمد اللهتعالى حيث أجرى على لساني الإبانة عن هذهالمسألة فإنه ما كان في نفسي أن أشير إليهافأحرى أن أصرح بها و إنما الغيرة غلبت عليو الحرص على نصح العباد الذين أمرني الحقبنصحهم على التخصيص أداني إلى شرح هذاالقدر في فتوح المكاشفة وَ الله يَقُولُالْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
«الباب السابع عشر و مائتان في معرفةالرسم و الوسم و أسرارهما»
الرسم ما أعطيته من أثر
إن ديارا قد عفي رسمها
و الوسم للتمييز إن كنت ذا
و عنهما أخبرنا قوله
في أزل كان لهم كل ما
فسلم الأمر إلى علمه
فإنه أولى بنا لا تكن
في حزب من يجحد أومن كفر
و الوسم ما دلعليه الخبر
ما فيها للعاقلمن معتبر
معرفة و صحمنك النظر
سيماهم في وجههم منأثر
أظهره رب القضاء والقدر
و كن به في حزب منقد شكر
في حزب من يجحد أومن كفر
في حزب من يجحد أومن كفر
أراد بالوسم و الرسم ما سبق في علم الله
اعلم أن الوسم و الرسم عند الطائفة نعتانيجريان في الأبد بما جريا في الأزل يريدونبما سبق في علم الله لا أنهما جريا فيالأزل و يستبين تحقيق الإشارة إليهمافالوسم بالواو من السمة و هي العلامةالإلهية على العبد أو في العبد تكون دلالة