مكاشفة بالعلم و مكاشفة بالحال و مكاشفةبالوجد
فأما مكاشفة العلم
فهي تحقيق الأمانة بالفهم و هو أن تعرف منالمشهود لما تجلى لك ما أراد بذلك التجليلك لأنه ما تجلى لك إلا ليفهمك ما ليس عندكفالمشاهدة طريق إلى العلم و الكشف غايةذلك الطريق و هو حصول العلم في النفس وكذلك إذا خاطبك فقد أسمعك خطابه و هو شهودسمعي فإن المشاهدة آنذا للقوى الحسية لاغير و الكشف للقوى المعنوية فما أسمعك إلالتفهم عنه و إذا أفهمك بأي نوع تجلى لك منإدراك صور الحواس فإنما ذلك الفهم أمانةمنه عندك لتلك الأمانة أهل لا ينبغي لك أنتودعها إلا لأهلها و إن لم تفعل فأنت خائنو
قال عليه السلام المجالس بالأمانة
أي لا تحدث بما وقع في المجالس إلا لمنأعطاك الله الفهم منها من ينبغي أن تتحدثمعه بما وقع فيها فذلك أهلها و إذا حدثكإنسان و رأيته يلتفت فاعلم إن ذلك الحديثأمانة أودعها إياك فحظ المشاهدة ما أبصرتو ما سمعت و ما طعمت و ما شممت و ما لمست وحظ الكشف ما فهمت من ذلك كله و ما فهمت فهوأمانة و إذا كان أمانة حكم عليك الأمرالإلهي بأدائها إلى أهلها أو ردها و ردهاأن تتناساها إذ ما قد علمت لا تقدر علىجهله فتجعل نفسك كأنك ما أبصرت و ما سمعت وهذا باب صعب جدا على العارفين يحتاج إلىأدب و حفظ و مراعاة حد فإنه ليس بينه و بينالكذب إلا حجاب واحد و كذلك الخيانة ليسبينه و بينها إلا حجاب واحد و مراعاة الحدتحول بينك و بين الخيانة و الكذب فأما علمهذا فهو إذا سألك من يكرم عليك عما تحملتهأمانة من شهود بصرك أو سمعك أو ما كان منقوى حواسك و السائل ليس من أهله و معنى ليسمن أهله أن الذي أعطاك هذه الأمانة علمتمنه لمن أراد أن توصلها إليه فإن أجبتالسائل لكرامته عليك فقد خنت و إن لم تجب وعدلت في الجواب إلى أمر آخر يقنع به السائلو لو عرف ما سترت عنه عز عليه ذلك فقد كذبتكمسألة الخليل في الكذبات الثلاث أثرتعنده في القيامة فاستحيا من الله أن يكلمهفي فتح باب الشفاعة مع القصد الجميل في ذلكو الصدق في دلالة اللفظ و لكن لم يكن ذلكمقصود المخاطب فسمي كذبا فانظر ما أخطرهذا الموضع و إن قلت ما عندي خبر كذبت أشدمن التعريض و الحق أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَو جواب الصادقين عن ذلك الذين آثروا الحقعلى غيره أن يقولوا للسائل إن الذي سألتعنه لنا وجوه في الجواب عنه فلا أدري عن أيوجه سألت لتعلمه فإن قال لك فصل الوجوه قلله أنت ابن لي عن مقصودك فإذا قال لكمقصوده من الجواب فإن كان مما يدخل فيالأمانة فقل له إنه أمانة أخذ علينا العهدفي حفظها و حق الله أحق أن يراعى و لا تستحيفي ذلك منه و إن كرم عليك أو كان ذا سلطان ولا يكون السموأل اليهودي المحجوب أوفى منكو أنت العارف المشاهد حتى ضرب به المثل فيالوفاء و إن ذكر هذا السائل وجه مطلوبه منحيث لا تعلق له بالأمانة فأجبه و لا بدلينتفع و لا تعطه ما ليس في وسعه حملهفيعود وباله عليك فهذا معنى قولهم تحقيقالأمانة بالفهم
و أما المكاشفة بالحال
و هي تحقيق زيادة الحال فاعلم إن كل متصفبصفة في كل وقت فإن تلك الصفة هي حاله فيذلك الوقت أي صفة كانت و لهذا لا يأتيالحال إلا بعد تمام الكلام أي لو لم تذكرلأفاد الكلام دونها فإن كانت هي المقصودةبالإخبار عنها فما أفاد الكلام بالنظر إلىقصد المخبر تقول رأيت زيدا فاستقل الكلامو تم ثم بعد ذلك زدت راكبا فتقول رأيت زيداراكبا أي في حال ركوبه فإن كان مقصودكالتعريف برؤيتك إياه راكبا فما تم الكلامبهذا الاعتبار أي ما حصلت الفائدة التياعتبرتها و قصدتها و لكن حصلت فائدةبالجملة و هي رؤية زيد أنك رأيته و لم تذكرعلى أي حالة فهذا معنى تحقيق زيادة الحالأن يتحقق إن الحال زائدة على ما تقع بهالفائدة مطلقا من غير نظر إلى قصد و هذاراجع إلى الأول الذي هو تحقيق الأمانةبالفهم فلو لقيك أحد سألك هل رأيت زيدافقلت له رأيته ثم زدت حالا لم يسألك عنهافقلت له مسافرا و كان في نفسه عند سؤاله هلرأيت زيدا حتى يعلم أنه في البلد فيجتمع بهفلما قلت له مسافرا أعلمته بهذه الزيادةالتي هي زيادة الحال بسفره فارحته من طلبالاجتماع به إذ لا يتمكن له ذلك مع كونهليس في البلد فهذا و أمثاله من زيادة الحالو أما في طريق أهل الله فزيادة الحال هي أنتشهد ذاتا ما على حال ما فتطلع من ذلكالحال إلى ما يؤول إليه أمره لأجل ذلكالحال فسمى مثل هذا زيادة الحال و مكاشفةبالحال مثال ذلك أن تشاهد ذاتا ما على حالخاص من حركة أو سكون أو صفة ملائمة طبعالناظر أو غير ملائمة فتعرف من ذلك الحالأمرا