يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لايَفْتُرُونَ فإن حقيقة نشأتهم تعطي ذلكفهذه هي العبادة الذاتية و هي عبادة ساريةفي كل ما سوى الله و لما كان الإنسان مجموعحقائق العالم كما قلنا و عرف نفسه من جهةحقائقه تعين عليه أن يقوم وحده من حيث هوبعبادة جميع العالم و إن لم يفعل فما عرفنفسه من جهة حقائقه لأنها عبادة ذاتية وصورة معرفته بذلك أن يشاهد جميع حقائقهكلها في عبادتها كشفا كما هي عليه في نفسهاسواء كوشف بذلك أو لم يكاشف فهذا الذيأريده بالعلم بحقائقه أي عن الكشف فإذاشاهدها لم يتمكن له مخالفة أمر سيده فيماأمر به من عبادته بالوقوف عند حدوده ومراسمه فيما دخل فيه و فيما خرج عنه فإذاقال سبحان الله بكله على ما رسمنا انتقش فيجوهر نفسه جميع ما قاله العالم كله من حيثتلك التسبيحة و هذه هي النفس الزكية التيتسمى لسان العالم بحيث لو صح أن يتعطلشيء من العالم في عبادة ربه لقام هذاالعبد العارف بهذا القدر مقامه فيما فرطفيه و سد مسده لو تصور هذا و يجازى هذاالعبد من جانب الحق بهذا القدر و هو مجازاةالأصغر بجائزة الأكبر يقول لو قدرناالعالم كله ما سوى الإنسان غفل عن عبادةالله طرفة عين و كان هذا الإنسان ذاكر اللهقائما بحقه في تلك اللحظة ناب مناب العالمو سد مسده فجوزي بجزاء العالم كله و إن كانلا يتصور من العالم غفلة فإنه ليس من أهلالغفلة إلا الثقلان خاصة فانظر ما أعطاكالعلم بنفسك و بما أنت عليه من حقائقالكون
(النوع السادس) من علوم المعرفة و هو علمالخيال
و عالمه المتصل و المنفصل و هذا ركن عظيممن أركان المعرفة و هذا هو علم البرزخ وعلم عالم الأجساد التي تظهر فيهاالروحانيات و هو علم سوق الجنة و هو علمالتجلي الإلهي في القيامة في صور التبدل وهو علم ظهور المعاني التي لا تقوم بنفسهامجسدة مثل الموت في صورة كبش و هو علم مايراه الناس في النوم و علم الموطن الذييكون فيه الخلق بعد الموت و قبل البعث و هوعلم الصور و فيه تظهر الصور المرئيات فيالأجسام الصقيلة كالمرآة و ليس بعد العلمبالأسماء الإلهية و لا التجلي و عمومه أتممن هذا الركن فإنه واسطة العقد إليه تعرجالحواس و إليه تنزل المعاني و هو لا يبرحمن موطنه تجبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّشَيْءٍ و هو صاحب الإكسير الذي تحمله علىالمعنى فيجسده في أي صورة شاء لا يتوقف لهالنفوذ في التصرف و الحكم تعضده الشرائع وتثبته الطبائع فهو المشهود له بالتصرفالتام و له التحام المعاني بالأجسام يحيرالأدلة و العقول فلنبينه إن شاء الله فيهذا الفصل بأوجز ما يمكن و أبلغ و اللهالموفق لا رب غيره اعلموا يا إخواننا أنهما من معلوم كان ما كان إلا و له نسبة إلىالوجود بأي نوع كان من أنواع الوجود فإنهعلى أربعة أقسام فمنها معلوم يجمع مراتبالوجود كلها و منها معلوم يتصف ببعض مراتبالوجود و لا يتصف ببعضها و هذه المراتبالأربعة التي للوجود منها الوجود العيني وهو الموجود في نفسه على أي حقيقة كان منالاتصاف بالدخول و الخروج أو بنفيهمافيكون مع كونه موجودا في عينه لا داخلالعالم و لا خارج لعدم شرط الدخول و الخروجو هو التحيز و ليس ذلك إلا لله خاصة و أماما هو من العالم قائم بنفسه غير متحيزكالنفوس الناطقة و العقل الأول و النفس والأرواح المهيمة و الطبيعة و الهباء وأعني بهذه كلها أرواحها فكل ذلك داخل فيالعالم إلا أنه لا داخل أجسام العالم و لاخارج عنها فإنها غير متحيزات
(و المرتبة الثانية) الوجود الذهني
و هو كون المعلوم متصورا في النفس على ماهو عليه في حقيقته فإن لم يكن التصورمطابقا للحقيقة فليس ذلك بوجود له فيالذهن
(و المرتبة الثالثة) الكلام
و للمعلومات وجود في الألفاظ و هو الوجوداللفظي و يدخل في هذا الوجود كل معلوم حتىالمحال و العدم فإن له الوجود اللفظي فإنهيوجد في اللفظ و لا يقبل الوجود العينيأبدا أعني المحال و أما العدم فإن كانالعدم الذي يوصف به الممكن فيقبل الوجودالعيني و إن كان العدم الذي هو المحال فلايقبل الوجود العيني
(و المرتبة الرابعة) الوجود الكتابي
و هو الوجود الرقمي و هو نسبته إلى الوجودفي الخط أو الرقم أو الكتابة و نسبةالمعلومات كلها من المحال و غير المحالنسبة واحدة فهذا المحال و إن كان لا يوجدله عين فله نسبة وجود في اللفظ و الخط فماثم معلوم لا يتصف بالوجود بوجه و سبب ذلكقوة الوجود الذي هو أصل الأصول و هو اللهتعالى إذ به ظهرت هذه المراتب و تعينت هذهالحقائق و بوجوده عرف من يقبل مراتبالوجود كلها ممن لا يقبلها فالأسماءمتكلما بها كانت أو مرقومة ينسحب وجودهاعلى كل معلوم فيتصف ذلك المعلوم