ينبغي للمجيب أن يجيب بالمعاني التي تدلعليها تلك الكلمة في اصطلاحهم فمهما أخلبشيء منها فما و في الكلمة حقها
مبنى هذا الطريق على التخلق بأسماءالله
فاعلم إن العساكر قد يطلقونها و يريدونبها شدائد الأعمال و العزائم و المجاهداتكما قال القائل
ظل في عسكرة من حبها
أي في شدة و اعلم أن مبني هذا الطريق علىالتخلق بأسماء الله فحاز هؤلاء العساكربالتخلق باسمه الملك فإن الملك هو الذييوصف بأنه يجوز العساكر و الملك معناهأيضا الشديد فلا تحاز الشدائد و العزائمإلا بما هو أشد منها يقال ملكت العجين إذاشددت عجنه قال قيس بن الحطيم يصف طعنة
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
أي شددت بها كفي حين طعنته
الهالكون بين الحقيقة و الأدب
فحازوا العساكر بالطريقين باسمه الملكفأما الشدائد التي حازوها في هذا البابفهي البرازخ التي أوقفهم الحق في حضرةالأفعال من نسبتها إلى الله و نسبتها إلىأنفسهم فيلوح لهم ما لا يتمكن لهم معه أنينسبوها إلى أنفسهم و يلوح لهم ما لا يتمكنلهم معه أن ينسبوها إلى الله فهم هالكونبين حقيقة و أدب و التخليص من هذا البرزخمن أشد ما يقاسيه العارفون فإن الذي ينزلعن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكونمستريحا لعدم المعارض
من أعلمه الله بجنوده التي لا يعلمها إلاهو
و اعلم أن صاحب هذا المقام هو الذي أعلمهالله بجنوده الذي لا يعلمها إلا هو قالتعالى وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَإِلَّا هُوَ و قال وَ إِنَّ جُنْدَنالَهُمُ الْغالِبُونَ فصاحب هذا المقاميعرفه جنود الله الذين لا حاكم عليهم فيشغلهم إلا الله و لهذا نسبهم إليه فهمالغالبون الذين لا يغلبون فمنهم الريحالعقيم و منهم الطير التي أرسلت على أصحابالفيل و كل جند ليس لمخلوق فيه تصريف همالعساكر التي حازها صاحب هذا المقام علماو
قال صلّى الله عليه وسلّم فيهم نصرتبالصبا
و
قال نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر
فإذا منح الله صاحب هذا المقام علم هؤلاءالعساكر رمى بالحصى في وجوه الأعداءفانهزموا كما رمى رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم في غزوة حنين فله الرمي و هم لايكون منهم غلبة إلا بأمر الله و لهذا قالوَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّالله رَمى فكل منصور بجند الله فهو دليلعلى عناية الله به و لا يكون منصورا بهمعلى الاختصاص إلا بتعريف إلهي فإن نصرهالله من غير تعريف إلهي فليس هو من هذهالطبقة التي حازت العساكر فلا بد مناشتراط النصر حقا في ذلك القصد و صاحب هذاالمقام يعين لأصحابه مصارع القوم كما فعلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوةبدر فإنه ما من شخص من أجناد الله إلا و هويعرف عين من سلط عليه و متى يسلط عليه و أينيسلط عليه فتتشخص الأجناد لصاحب هذاالمقام في الأماكن التي هي مصارع القوم كلشخص على صورة المقتول و باسمه فيراه صاحبهذا المقام فيقول هذا هو مصرع فلان و هذاهو مقام الإمام الواحد من الإمامين و أقربشيء ينال به هذا المقام البغض في الله والحب في الله فتكون همم هذه الطبقة وأنفاسهم من جملة العساكر التي حازوها بماذكرناه و هو الموالاة في الله و العداوة فيالله عن عزم و صدق مع كونهم لا يرون إلاالله فيجدون من الانضغاط و كظم الغيظ ما لايعلمه إلا الله و العين تحرسهم في باطنهمهل ينظرون في ذلك أنه غير الله فإذا تحققواذلك حازوا عساكر الحق التي هي أسماؤهسبحانه إذ أسماؤه تعالى عساكره و هي التييسلطها على من يشاء و يرحم بها من يشاء فمنحاز أسماء الله فقد حاز العساكر الإلهية ورئيس هؤلاء الأجناد الأسمائية كما قلناالاسم الملك هو المهيمن عليها و من عداهفأمثال السدنة له و يكفي هذا القدر فيالجواب عن هذا السؤال
(السؤال الرابع) فإن قال إلى أين منتهاهم
قلنا في الجواب لا شك و لا خفاء أن هذهالطبقة هم أصحاب عقد و عهد و هو قولهرِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهعَلَيْهِ فَمِنْهُمْ من قَضى نَحْبَهُوَ مِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ وَ مابَدَّلُوا تَبْدِيلًا فإذا حصلت هذهالطبقة فيما قلنا في غزوهم و سلكوا سبيلجهادهم كان منتهاهم إلى حل ما عقدوا عليه ونقض ما عسكروا إليه
الأعيان مظاهر الحق فالمنتهى إليه والبدء منه و ليس وراء الله مرمى
و ذلك أن الأعيان التي عسكروا لها و عقدوامع الله أن يبيدوها فلما توجهوا بعساكرهمالتي أوردناها إليها كانت آثار تلكالعساكر فيها إيجاد أعيانها و هو خلافمقصود العارف بهذه العساكر إذ كان المقصودإذهاب أعيانها و إلحاقها بمن لا عين له وما علم أن الحقائق لا تتبدل و أن آثارالعساكر فيها الوجود إذ كان سبق العدم لهالعينها فلا تؤثر فيها هذه العساكر العدملأن العدم لها من نفسها فلم يبق إلا الوجودفوقع غير مقصود العارف و علم عند ذلكالعارف أن تلك الأعيان مظاهر الحق فكانمنتهاهم إليه و بدأهم منه و ليس وراء اللهمرمى فإن قلت فالذات الغنية عن العالمين