من شغله و أحكم صنعته فيما ذهب إليه جاءالملك فوقف على ما صوره صاحب الصور فرأىصورا بديعة يبهر العقول حسن نظمها و بديعنقشها و نظر إلى تلك الأصبغة في حسن تلكالصنعة فرأى أمرا هاله منظره و نظر إلى ماصنع الآخر من صقالة ذلك الوجه فلم ير شيئافقال له أيها الملك صنعتي ألطف من صنعته وحكمتي أغمض من حكمته ارفع الستر بيني وبينه حتى ترى في الحالة الواحدة صنعتي وصنعته فرفع الستر فانتقش في ذلك الجسمالصقيل جميع ما صوره هذا الآخر بألطف صورةمما هو ذلك في نفسه فتعجب الملك ثم إنالملك رأى صورة نفسه و صورة الصاقل في ذلكالجسم فحار و تعجب و قال كيف يكون هكذافقال أيها الملك ضربته لك مثلا لنفسك معصور العالم إذا أنت صقلت مرآة نفسكبالرياضات و المجاهدات حتى تزكو و أزلتعنها صدأ الطبيعة و قابلت بمرآة ذاتك صورالعالم انتقش فيها جميع ما في العالم كله وإلى هذا الحد ينتهي صاحب النظر و أتباعالرسل و هذه الحضرة الجامعة لهما و يزيدالتابع على صاحب النظر بأمور لم تنتقش فيالعالم جملة واحدة من حيث ذلك الوجه الخاصالذي لله في كل ممكن محدث مما لا ينحصر و لاينضبط و لا يتصور يمتاز به هذا التابع عنصاحب النظر و من هذه السماء يكونالاستدراج الذي لا يعلم و المكر الخفيالذي لا يشعر به و الكيد المتين و الحجاب والثبات في الأمور و التأني فيها و من هنايعرف معنى قوله لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ من خَلْقِ النَّاسِلأن لهما في الناس درجة الأبوة فلايلحقهما أبدا قال تعالى أَنِ اشْكُرْ لِيوَ لِوالِدَيْكَ و من هذه السماء يعلم أنكل ما سوى الإنس و الجان سعيد لا دخول له فيالشقاء الأخروي و إن الإنس و الجان منهمشقي و سعيد فالشقي يجري إلى أجل فيالأشقياء لأن الرحمة سبقت الغضب و السعيدإلى غير أجل و من هنا يعرف تفضيل خلقالإنسان و توجه اليدين على خلق آدم دونغيره من المخلوقات
ما من جنس من مخلوقات إلا و له طريقةواحدة في الخلق
و يعلم أنه ما ثم جنس من المخلوقات إلا وله طريقة واحدة في الخلق لم تتنوع عليهصنوف الخلق تنوعها على الإنسان فإنه تنوععليه الخلق فخلق آدم يخالف خلق حواء و خلقحواء يخالف خلق عيسى و خلق عيسى يخالف خلقسائر بنى آدم و كلهم إنسان و من هنا زينللإنسان سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناًو عند تجلى هذا التزيين يشكر الله تعالىالتابع على تخلصه من مثل هذا و أما صاحبالنظر فلا يجد فرجا إلا في هذا التجلييعطيه الحسن في السوء و هو من المكر الإلهيو من هنا تثبت أعيان الصور في الجوهر التيتحت هذا الفلك إلى الأرض خاصة و من هناتعرف ملة إبراهيم أنها ملة سمحاء ما فيهامن حرج فإذا علم هذه المعاني و وقف علىأبوة الإسلام أراد صاحب النظر القرب منهفقال إبراهيم للتابع من هذا الأجنبي معكفقال هو أخي قال أخوك من الرضاعة أو أخوكمن النسب قال أخي من الماء قال صدقت لهذالا أعرفه لا تصاحب إلا من هو أخوك منالرضاعة كما أني أبوك من الرضاعة فإنالحضرة السعادية لا تقبل إلا إخوانالرضاعة و آباءها و أمهاتها فإنها النافعةعند الله أ لا ترى العلم يظهر في صورةاللبن في حضرة الخيال هذا لأجل الرضاع وانقطع ظهر صاحب النظر لما انقطع عنه نسبأبوه إبراهيم (ع) ثم أمره أن يدخل البيتالمعمور فدخله دون صاحبه و صاحبه منكوسالرأس ثم خرج من الباب الذي دخل و لم يخرجمن باب الملائكة و هو الباب الثاني لخاصيةفيه و هو أنه من خرج منه لا يرجع إليه ثمارتحل من عنده يطلب العروج و مسك صاحبهصاحب النظر هناك و قيل له قف حتى يرجعصاحبك فإنه لا قدم لك هنا هذا آخر الدخانفقال أسلم و أدخل تحت حكم ما دخل فيه صاحبيقيل له ليس هذا موضع قبول الإسلام إذا رجعتإلى موطنك الذي منه جئت أنت و صاحبك فهناكإذا أسلمت و آمنت و اتبعت سبيل من أناب إلىالله إنابة الرسل المبلغين عن الله قبلتكما قبل صاحبك فبقي هنالك و مشى التابعفبلغ به سدرة المنتهى فرأى صور أعمالالسعداء من النبيين و أتباع الرسل و رأىعمله في جملة أعمالهم فشكر الله على ما وفقه إليه من اتباع الرسول المعلم و عاينهنالك أربعة أنهار منها نهر كبير عظيم وجداول صغار تنبعث من ذلك النهر الكبير وذلك النهر الكبير تتفجر منه الأنهارالكبار الثلاثة فسأل التابع عن تلكالأنهار و الجداول فقيل له هذا مثل مضروبأقيم لك هذا النهر الأعظم هو القرآن و هذهالثلاثة الأنهار الكتب الثلاثة التوراة والزبور و الإنجيل و هذه الجداول الصحفالمنزلة على الأنبياء فمن شرب من أي نهركان أو أي جدول فهو لمن شرب منه وارث و كلحق فإنه كلام الله و العلماء ورثةالأنبياء بما شربوا من هذه