«الباب الثامن عشر و مائتان في معرفةالقبض و أسراره على الاختصار و الإجمال»
ما لفظة يقولها كل الورى
ما ذا ترى في قولهم يا من يرى
قد خاب في إنبائه من افترى
على الإلهعالما بما جرى
عند الصباحيحمد القوم السري
كل الأنامفي الإمام و الورا
على الإلهعالما بما جرى
على الإلهعالما بما جرى
اعلم أيدنا الله و إياك بروح منه أن هذاالمنزل منزل علم السري و أهله و يتضمنمعرفة عالم الخلق و الظلال و منه يعرف كسوفالقمر أهل الكشف و أنه من الخشوع الطارئ عنالقمر من التجلي و يتعلق بهذا المنزل علمهاروت و ماروت من علم السحر و علم طلوعالأنوار
أن الأنوار على قسمين أنوار أصلية وأنوار متولدة عن ظلمة الكون
اعلم وفقك الله للقبول أن الأنوار علىقسمين أنوار أصلية و أنوار متولدة عن ظلمةالكون كنور قوله تعالى وَ آيَةٌ لَهُمُاللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَفَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ و كقوله عز و جلفالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَسَكَناً ينظر إلى ذلك وَ من آياتِهِ أَنْخَلَقَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاًلِتَسْكُنُوا إِلَيْها ليكون له علىالنور ولادة و النور المتكلم عليه في هذاالمنزل هو النور المولد الزماني و هذاالمنزل مخصوص بالإمام الواحد من الإماميناللذين للقطب و هو المسمى بعبد ربه و تارةيكون هذا النور ذكرا و تارة يكون أنثى فإذاغشى الليل النهار فالمتولد منه هو النورالمطلوب و هذا النور المولد الذي شرعنافيه هو نور العصمة للنبي و الحفظ للولي وهو يعطي الحياء و الكشف التام فإنه يكشف ويكشف به و النور الأصلي يكشف و لا يكشف بهلأنه يغلب على نور الأبصار فتزول الفائدةالتي جاء لها النور و لهذا تلجأ نفوسالعارفين بالأنوار و مراتبها إلى هذاالنور المولد من الظلمة للمناسبة التيبيننا و بينه من خلق أرواحنا فإن الأرواحالجزئية متولدة عن الروح الكلي المضاف إلىالحق و الأجسام الطبيعية الظلمانية بعدتسويتها و حصول استعدادها للقبول فيظهربينهما في الجسم الروح الجزئي الذي هو روحالإنسان ينفلق عنه الجسم كانفلاق الصباحمن فالق الإصباح في الليل فتقع المناسبةبين هذا النور و بين روح الإنسان فلذلكيأنس به و يستفيد منه و هكذا أجرى اللهالعادة و لم يعط من القوة أكثر من هذا و لوشاء لفعل و هكذا جرت المظاهر الإلهيةالمعبر عنها بالتجليات فإن النور الأصليمبطون فيها غيب لنا و الصور التي يقع فيهاالتجلي محل لظهور المظهر فتقع الرؤية مناعلى المظاهر و لهذا هي المظاهر مقيدةبالصور ليكون الإدراك منا بمناسبة صحيحةفإن المقصود من ذلك حصول الفائدة به و بمايكون منه و هذا منزل عال كبير القدر العالمبه متميز على أبناء جنسه و هو سار فيالأشياء فكما أنه سبحانه ذكر أنه فالِقُالْإِصْباحِ كذلك هو فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى بما يظهر منهما فما وقعتالفوائد إلا بمثل هذا النور و كانتالأنبياء عليهم السلام تتخذه وقاية تتقيبه حوادث إلا كون التي هي ظلم الأغيار وكما تبين لك قدر هذا النور المولد و منزلتهفلنبين ما يتخذ له وقاية و ذلك أن الوقايةلا تكون إلا من أجل الأمور التي يكرههاالإنسان طبعا و شرعا و هي أمور مخصوصةبعالم الخلق و التركيب الطبيعي لا بعالمالأمر و قد بينا في هذا الكتاب و غيره مانريده بعالم الأمر و عالم الخلق و الكل للهتعالى قال عز و جل أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ الله رَبُّالْعالَمِينَ فخصه بالاسم الرب دون غيره ولما كان عالم الخلق و التركيب يقتضي الشرلذاته لهذا قال عالم الأمر الذي هو الخيرالذي لا شر فيه حين رأى خلق الإنسان وتركيبه من الطبائع المتنافرة و التنافر هوعين التنازع و النزاع أمر مؤد إلى الفسادقالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُفِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ من غير تعرضلمواقع الأحكام المشروعة و كذلك وقع مثلما قالوه و رأوا الحق سبحانه يقول وَ اللهلا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ و قال وَ اللهلا يُحِبُّ الْفَسادَ فكرهوا ما كره اللهو أحبوا ما أحب الله و جرى حكم الله فيالخلق بما قدره العزيز العليم فما ظهر منعالم التركيب من الشرور فمن طبيعته التيذكرتها الملائكة و ما ظهر منه من خير فمنروحه الإلهي الذي هو النور المولد فصدقتالملائكة و لذلك قال وَ ما أَصابَكَ منسَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و إذا كان عالمالخلق بهذه المثابة فواجب على كل عاقل أنيعتصم بهذا النور المذكور في هذا المنزلفالشرور كلها مضافة إلى عالم الخلق والخير كله مضاف إلى عالم الأمر
أن الطبيعة تألفت لظهور عالم الخلق ليكونمظهرا لذلك النور
و اعلم أن الطبيعة لما تألفت و اجتمعتلظهور عالم الخلق بعد أن كانت متنافرةليظهر بذلك شرف هذا النور بما يكون فيه منالخير مع تولده من هذا التركيب لقوته وغلبة عالم الأمر على نشأته دخلت في الوجودالحسي فسميت جسما و حيوانا و نباتا و جماداو ما من شيء من هذا كله إلا و الفساد والتغيير موجود فيه في كل حال و لو لا هذاالنور الاعتصامي لهلك عالم الخلق جملةواحدة فأمر الله