هذا الفصل من فصول التوحيد و إذا به توحيدالاختيار فعلمت أن ذلك عين هذا الفصل و أنلأهلي من هذا الفصل أوفر حظ و أعظم نصيبفلما رأينا التفاضل و الاختيار وقع فيالعالم حتى في الأذكار الإلهية المشروعةكما ذكرنا علمنا إن ثم أمرا معقولا ما هوعين النفس و لا هو غير النفس الذي تتكونفيه الكلمات و هي أعيان الكائنات فإذابذلك عين المشيئة فيها ظهر هذا التفضيل فيالواحد و التفضيل في المتساوي و الواحد لايتصف بالتفضيل و المتساوي لا ينعتبالتفضيل فعلمنا أن سر الله مجهول لايعلمه إلا هو فوجدناه توحيد الاختيار فيحضرة السر لا إله إلا هو له الحمد فيالأولى و هو حمد الإجمال و الآخرة و هو حمدالتفصيل فتميزت المحامد في العين الواحدةفكان حمدها عينها فما أعجب مقام هذاالتوحيد لمن شاهده و تعجبت من اسم أهلي فيالواقعة و اسمها مريم و معنى هذا الاسممعلوم في اللسان الذي فيه سميت و هي محررةلله حاملة لروح الله محل لكلمة الله مثنىعليها بكلام الله مبرأة بشهادة ما سقط منالتمر في هزها جذع النخلة اليابس و نطقابنها في المهد بأنه عبد الله و هما شاهدانعدلان عند الله فكانت كلها لله و بالله وعن الله و لهذا غبطها زكريا نبي الله فتمنىمثلها على الله فأعطاه يحيى حصورا مثلهالم يجعل له سميا من قبل من أنبياء اللهفخصه بالأولية من أسماء الله فانظر فيبركة هذا الاسم في وجود الله بين عباد اللهفهذا ما كان إلا من اختيار الله وَ رَبُّكَيَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَلَهُمُ الْخِيَرَةُ بل هي لله و اللهفَعَّالٌ لِما يُرِيدُ
(التوحيد الرابع و العشرون)
من نفس الرحمن هو قوله وَ لا تَدْعُ مَعَالله إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُهذا توحيد الحكم بالتوحيد الذي إليه رجوعالكثرة إذ كان عينها و هو توحيد الهويةفنهى كونه أن يدعو مع الله إلها فنكرالمنهي عنه إذ لم يكن ثم إذ لو كان ثم لتعينو لو تعين لم يتنكر فدل على أنه من دعا معالله إلها آخر فقد نفخ في غير ضرم و استسمنذا ورم و كان دعاؤه لحما علي و ضم ليس لهمتعلق يتعين و لا حق يتضح و يتبين فكانمدلول دعائه العدم المحض فلم يبق إلا من لهالوجود المحض فكل شيء يتخيل فيه أنهشيء فهو هالك في عين شيئيته عن نسبةالألوهية إليه لا عن شيئيته فوجه الحق باقو هو ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ والآلاء الجسام فما دعا من دعا إلا إلىمعروف فما هو الذي نكر فما هو عين ما ذكرفالحق الخالص من كان في ذاته يعلم فلا يجهلو يجهل فلا يحاط به علما فعلم من حيث إنه لايحاط به علما و جهل من حيث إنه لا يحاط بهعلما فعلم من حيث جهل فالعلم به عين الجهلبه فما ثم من يقبل الأضداد في وصفه إلاالله
(التوحيد الخامس و العشرون)
من نفس الرحمن هو قوله هَلْ من خالِقٍغَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ من السَّماءِوَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ هذاتوحيد العلة و هو من توحيد الهوية لو لميوحد بالعلة كما يوحد بغيرهما لم يكن إلهالأن من شأن الإله أن لا يخرج عنه وجود شيءإذ لو خرج عنه لم يكن له حكم فيه و قد قال وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فلابد أن يكون له توحيد العلة و هو أن يعبدبهذا التوحيد لسبب لكون العابد في أصلكونه مفتقرا إلى سبب فلم يخرج عن حقيقته وسببه رزقه الذي به بقاء عينه فتخيلهالمحجوب في الأسباب الموضوعة و هو تخيلصحيح أنه في الأسباب الموضوعة لكن بحكمالجعل لا بحكم ذاتها فجاعل كونها رزقا هوالله الذي يَرْزُقُكُمْ من السَّماءِ بماينزل منها من أرزاق الأرواح وَ الْأَرْضِبما يخرج منها من أرزاق الأجسام فهوالرازق الذي بيده هذا الرزق غير أن الحجبلما أرسلها الله على بعض أبصار عباد الله ولم يدركوا إلا مسمى الرزق لا مسمى الرازققالوا هذا فقيل لهم ما هو هذا هو في هذامجعول من الذي خلقكم فكما خلقكم هو رزقكمفلا تعدلوا به ما هو له و منه فأنتم و مناعتمد تم عليه سواء فلا تعتمدوا علىأمثالكم فتعتمدوا على الكثرة و الاعتمادعلى الكثرة يؤدي إلى عدم حصول ما وقع فيهالاعتماد إذ كل واحد من الكثيرين يقولغيري يقوم له بذلك فلا يقوم له شيءفيدعوه الحال الصحيح إلى التفرغ و التجردإلى واحد على علم من ذلك الواحد أنه تجردإليه و تفرغ مما سواه فتعين القيام به عليهفادى إلى حصول المطلوب من وراء حجاب في حققوم و على الشهود و الكشف في حق آخرين و همأهل الله و خاصته
(التوحيد السادس و العشرون)
من نفس الرحمن هو قوله إِنَّهُمْ كانُواإِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهيَسْتَكْبِرُونَ هذا توحيد التعجب و هوتوحيد الله لا توحيد الهوية فقولهيَسْتَكْبِرُونَ أي يستعظمون ذلك ويتعجبون منه كيف يصح في الكون لا إله إلاالله و الشيء لا يكون إلا على صورة