رفعة سبقت و لا رفعة للعبد الكلي فيعبوديته فإنه مسلوب الأوصاف فلو أنتج لذلكالروح المتضايل حال هذا العبد الكلي فيعبوديته لما تكرر عليه التضاؤل فافهم ماأشرت به إليك و قد نبهتك بهذا الخبر أن هذاالملك من أعلم الخلق بالله و تكرار تضاؤلهلتكرار التجلي و الحق لا يتجلى في صورةمرتين فيرى في كل تجل ما يؤديه إلى ذلكالتضاؤل هذا هو العلم الصحيح الذي تعطيهمعرفة الله ثم لتعلم إن الله خلقالْإِنْسانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍللصورة التي خصه بها و هي التي أعطته هذهالمنزلة فكان أحسن تقويم في حقه لا عنمفاضلة أفعل من كذا بل هو مثل قوله اللهأكبر لا عن مفاضلة بل الحسن المطلق للعبدالكامل كالكبرياء المطلق الذي للحق فهوأحسن تقويم لا من كذا كما هو الحق أكبر لامن كذا لا إله إلا هو و لا عبد إلا المصمتفي عبودته فإن حاد العبد عن هذه المرتبةبوصف ما رباني و إن كان محمودا من صفةرحمانية و أمثالها فقد زال عن المرتبةالتي خلق لها و حرم من الكمال و المعرفةبالله على قدر ما اتصف به من صفات الحقفليقلل أو يكثر
أن للإنسان حالتين حالة عقلية نفسيةمجردة عن المادة و حالة عقلية نفسية مدبرةللمادة
و اعلم أن للإنسان حالتين حالة عقليةنفسية مجردة عن المادة و حالة عقلية نفسيةمدبرة للمادة فإذا كان في حال تجريده عننفسه و إن كان متلبسا بها حسا فهو علىحالته في أحسن تقويم و إذا كان في حاللباسه المادة في نفسه كما هو في حسه فهوعلى حالته في خسر لا ربح في تجارته فيهفَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوامُهْتَدِينَ و هو قوله إِنَّ الْإِنْسانَلَكَفُورٌ إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌكَفَّارٌ إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِلَكَنُودٌ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِيخُسْرٍ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًافإذا قال الإنسان الكامل الله نطق بنطقهجميع العالم من كل ما سوى الله و نطقتبنطقه أسماء الله كلها المخزونة في علمغيبه و المستأثرة التي يخص الله تعالىبمعرفتها بعض عباده و المعلومة بأعيانهافي جميع عباده فقامت تسبيحته مقام تسبيحما ذكرته فأجره غَيْرُ مَمْنُونٍ و سنومئإلى تحقيق هذا في المنزل التاسع والثمانين و مائتين و بعد أن نبهتك علىمعرفة قيام التوحيد بالواحد القائم مقامالجماعة في الخير و الشر فإنه قال تعالى فيهذا المقام في الخير و الشر من قَتَلَنَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فيالْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَجَمِيعاً وَ من أَحْياها فَكَأَنَّماأَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً و منزلتنا فيهذا البيان لأصحابنا من أهل هذا الشأن ومنزلة القابلين لما بيناه و غير القابلينما أردف الله به هذه الآية من تعريفالأحوال فقال وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْرُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّكَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فيالْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ فلنبين إيمانالعصاة المعبر عنه بالتوبة و ما يلزمه وذلك أن الايمان الأصلي هو الفطرة التي فطرالله الناس عليها و هو شهادتهم له سبحانهبالوحدانية في الأخذ الميثاقي فكل مولوديولد على ذلك الميثاق و لكن لما حصل في حصرالطبيعة بهذا الجسم محل النسيان جهلالحالة التي كان عليها مع ربه و نسيهافافتقر إلى النظر في الأدلة على وحدانيةخالقه إذا بلغ إلى الحالة التي يعطيهاالنظر و إن لم يبلغ هذا الحد فإن حكمه حكم والدية فإن كانا مؤمنين أخذ بتوحيد اللهتعالى منهم تقليدا و إن كانا على أي دينكان ألحق بهما فمن كان إيمانه تقليدا جزماكان أعصم و أوثق في إيمانه ممن أخذه عنالأدلة لما يتطرق إليها إن كان حاذقا فطناقوي الفهم من الحيرة و الدخل في أدلته وإيراد الشبه عليها فلا يثبت له قدم و لاساق يعتمد عليها فيخاف عليه فإذا تقدمإيمانه بتوحيد الله شرك ورثه عن أبويه أوعن نظره أو عن الأمة التي هو فيها فذلكالايمان هو عين إيمانه الميثاقي لا غيره وإنما حال بينه و بين العبد حجاب الشرككالسحابة الحائلة بين البصر و الشمس فإذاانجلت ظهر الشمس للبصر كذلك ظهور الايمانللعبد عند ارتفاع الشرك إذ كان المشركمقرا بوجود الحق فإن قلت فما حكم المعطل هليكون إيمانه يوجد في الوقت أم حاله حالالمشرك قلنا المعطل أقرب إلى الايمان منالمشرك فإنه لا بد لكل إنسان أن يجد نفسهمستندا في وجوده إلى أمر ما لا يدري ما هوفيقال له ذلك هو الله فإن حدث له بعد ذلك هلهو واحد أو أكثر من واحد كان في محل النظرفي ذلك أو يقلد من يعتقد فيه من الموحدينفما ثم إيمان محدث بل هو مكتوب في قلب كلمؤمن فإن زال في حق المريد الشقاء فإنماتزول وحدانية المعبود لا وجوده و بالتوحيدتتعلق السعادة و بنفيه يتعلق الشقاءالمؤبد و لهذا الإشارة بقوله تعالى ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في الأخذالميثاقي آمَنُوا لقول الرسول إليكم منعندنا فلو لا إن الايمان كان عندهم ماوصفوا به و أما نسبة الأعمال إلى هذاالمنزل فهو على ما نقرره و ذلك
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال بعثتلأتمم مكارم الأخلاق
و مكارم الأخلاق أعمال و أحوال إضافية لأنالناس الذين هم محل مكارم الأخلاق علىحالتين حر و عبد كما إن الأخلاق