ذلك كله توبة ربه
الناصح نفسه من سلك طريقة أبيه آدم فيالتوبة
و اعلم أن توبة ربه مقطوع لها بالقبول وتوبة العبد في محل الإمكان لما فيها منالعلل و عدم العلم باستيفاء حدودها وشروطها و علم الله فيها فالعارفون آدميونيسألون من ربهم أن يتوب عليهم و حظهم منالتوبة الاعتراف و السؤال لا غير ذلك هذامعنى قوله تعالى وَ تُوبُوا إِلَى اللهجَمِيعاً أي ارجعوا إلى الاعتراف و الدعاءكما فعل أبوكم آدم فإن الرجوع إلى اللهبطريق العهد و هو لا يعلم ما في علم اللهفيه خطر عظيم فإنه إن كان قد بقي عليه شيءمن مخالفة فلا بد من نقض ذلك العهد فينتظمفي قوله الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَالله من بَعْدِ مِيثاقِهِ فلم ير أكملمعرفة من آدم عليه السلام حيث اعترف و دعاو ما عهد مع الله توبة عزم فيها إنه لا يعودكما يشترطه علماء الرسوم في حد التوبةفالناصح نفسه من سلك طريقة آدم
في العزم على أن لا يعود سوء أدب معالله
فإن في العزم سوء أدب مع الله بكل وجه فإنهلا يخلو أن يكون عالما بعلم الله فيه إنهلا يقع منه زلة في المستأنف أم لا فإن كانعالما بذلك فلا فائدة في العزم على أن لايعود بعد علمه أنه لا يعود و إن لم يعلم وعاهد الله على ذلك و كان ممن قضى الله عليهأن يعود ناقض عهد الله و ميثاقه و إن أعلمهالله أنه يعود فعزمه بعد العلم أنه يعودمكابرة فعلى كل وجه لا فائدة للعزم فيالمستأنف لا لذي العلم و لا لغير العالمفالتوبة التي طلب منا إنما هي صورة ما جرىمن آدم عليه السلام
معنى التوبة عند أهل الله
هذا معنى التوبة عند أهل الله فإن اللهيحب كل مفتن تواب أي كل من اختبره الله فيكل نفس فيرجع إلى الله فيه لا عزم إنه لايعود لما تاب منه فهو جهل على الحقيقة فإنالذي تاب منه من المحال أن يرجع إليه و إنرجع إنما يرجع إلى مثله لا إلى عينه فإنالله لا يكرر شيئا في الوجود فالعالم بذلكلا يعزم على أنه لا يعود و الذي ينظره أهلالله أن التائب يعزم أنه لا يعود أن ينسبإليه ما ليس إليه و إن عاد بنسبته إليه فقدعلم عند العزم أن ذلك العود إلى الله لاإليه فلا تضره الغفلة بعد تصحيح الأصل و هوبمنزلة النية عند الشروع في العمل فإنالغفلة لا تؤثر في العمل فسادا و إن لميحصر في أثناء العمل ما أحضره عند الشروعفهكذا العازم في عزمه
توبة المحققين لا ترتفع دنيا و لا آخرة
و اعلم أن مقام التوبة من المقاماتالمستصحبة إلى حين الموت ما دام مخاطبابالتكليف أعني التوبة المشروعة و أما توبةالمحققين فلا ترتفع دنيا و لا آخرة فلهاالبداية و لا نهاية لها إلا أن يكون الاسمالتواب في المظهر عين الظاهر فلا بدء فيأحواله و لا نهاية و إن كانت كل توبة لهابدء
التوبة الكونية
و التوبة الكونية ملكية جبروتية عندالجماعة و هو محل إجماعهم و زاد بعضهم أنهاملكوتية فمن لم ير أنها ملكوتية قال إنهاتعطي صاحبها ثمانمائة مقام و ثمانيةمقامات و من رأى أنها ملكوتية قال إنهاتعطي أربعمائة مقام و ثلاثة عشر مقاما والواقفية أرباب المواقف مثل محمد بن عبدالجبار النفري و أبي يزيد البسطامي قال هيغيبية آثارها حسية و جميع ما تتضمنه هذهالمعاملات من المقامات الإلهية الجسام مافيها مقام يتكرر على ما قد تقرر في الأصل ولو تاب الخلق كلهم ملك و إنس و جان و معدن ونبات و حيوان و فلك و نالوا هذه المقاماتكلها لما اجتمع اثنان في ذوق واحد منها وهي منازل فيها ينزلها العبد إذا أحكم ذلكالمقام الذي هو التوبة أو غيره و يعطيه كلمنزل منها من الأسرار و العلوم ما لا يعلمهإلا الله و لهذا المقام الحجاب و الكشف
التوبة اعتراف و دعاء لا عزم على عدمالعودة
و مما يؤيد ما ذكرناه من أن التوبة اعترافو دعاء لا عزم على أنه لا يعود ما ثبت فيالأخبار الإلهية و صح أن العبد بذنب الذنبو يعلم أن له ربا يغفر الذنب و يأخذ بالذنبو لم يزد على هذا مثل صورة آدم سواء ثم يذنبالذنب فيعلم إن له ربا يغفر الذنب و يأخذبالذنب فيقول الله له في ثالث مرة أو رابعمرة اعمل ما شئت فقد غفرت لك و هذا مشروع أنالله قد رفع في حق من هذه صفته المؤاخذةبالذنب على من يرى أن الخطاب على غير منليس بهذه الصفة منسحب و أما ظاهر الحديثفإن الله قد أباح له ما قد كان حجر عليهلأجل هذه الصفة كما أحل الميتة للمضطر و قدكانت محرمة على هذا الشخص قبل أن تقوم بهصفة الاضطرار ثم إنه قد بينا أن من عبادالله من يطلعه الله على ما يقع منه فيالمستأنف فكيف يعزم على أن لا يعود فيمايعلم بالقطع أنه يعود و لم يرد شرع نقفعنده أن من حد التوبة المشروعة العزم فيالمستأنف فلم تبق التوبة إلا ما قررناه فيحديث آدم عليه السلام ثم يؤيد ذلك قولهتعالى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواإِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ يعني فيالحالتين ما هم أنتم ينظر إليه قوله وَ مارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللهرَمى و قوله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ الله قَتَلَهُمْ و قوله ماقَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أَوْتَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِهافَبِإِذْنِ الله
الإذن الإلهي هو الأمر الإلهي
و الأذن الأمر الإلهي أمر بعض الشجر أنتقوم فقامت و أمر بعض الشجر أن تنقطع