و ما من صفة للرجال إلا و للنساء فيها مشربتولاهم الله بالحلم و هو ترك الأخذبالجريمة في الحال مع القدرة على ذلك فلميعجل فإن العجلة بالأخذ عقيب الجريمة دليلعلى الضجر و حكمه في المستأنف في المشيئةفالحليم هو الذي لا يعجل مع القدرة وارتفاع المانع و العلم السابق مانع و هومحجوب عن العبد قبل الاتصاف بصفة الحلمفالعبيد على الحقيقة إذا لم يعجلوا بالأخذعقيب الجريمة مع القدوة هم الحلماء فإنهملا علم لهم سابق يمنع من وقوع الأخذ لا فينفس الأمر فإن حلم العبد من العلم الإلهيالسابق و لا يشعر به العبد حتى تقوم به صفةالحلم فحينئذ يعلم ما أعطاه حكم علم اللهفي حكمه و لهذا أن تقدمه العلم بذلك لايسمى حليما على جهة التشريف
حلم الحق و حلم العبد
فالحق يوصف بالحلم لعدم الأخذ لا على طريقالتشريف و العبد ينعت بالحليم لعدم الأخذأيضا و لكن على طريق التشريف لجهله بما فيعلم الله من ذلك قبل اتصافه بعدم المؤاخذةو الإمهال من غير إهمال فشرف الحق بالعلملا بالحلم و شرف العبد بالحلم لا بالعلملجهله بذلك فإن علم قبل قيام صفة الحلم بهلم يكن له الحلم تشريفا فالأمر فيه بمنزلةمن هو مجبور في اختياره فلا يثني عليهبالاختيار إلا مع رفع العلم عنه بالجبر فيذلك الاختيار سواء لأن الاختيار يناقضالجبر فيعلم الإنسان عند ذلك ما هو المرادبالاختيار و يرى أنه ما ثم في الوجودين إلاالجبر من غير إكراه فهو مجبور غير مكره وهذه المسألة من أعظم المسائل في المعارف وكم هلك فيها من الخلق قديما و حديثا
الأولياء الأواهون
و من الأولياء أيضا الأواهون من رجال ونساء رضي الله عنهم لقيت منهم امرأةبمرشانة لزيتون من بلاد الأندلس تدعى بشمسمسنة تولى الله هذا الصنف بالتأوه ممايجدونه في صدورهم من ردهم لقصورهم من عينالكمال و النفوذ و يكون عن وجود أو عن وجودوجد على مفقود أثنى الله تعالى على خليلهإبراهيم عليه السلام بذلك إِنَّإِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ ولَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ فتأوه لما رأى منعبادة قومه ما نحتوه و حلم فلم يعجل بأخذهمعلى ذلك مع قدرته عليهم بالدعاء عليهم ولهذا سمي حليما فلو لم يقدر و لا مكنه اللهمن أخذهم ما سماه سبحانه حليما و لكنه عليهالسلام علم أنه في دار الامتزاج و التحولمن حال إلى حال فكان يرجو لهم الايمان فيمابعد فهذا سبب حلمه وجود الموطن الذي يقتضيالتحول من العبد و القبول من الله فلو علممن قومه ما علم نوح عليه السلام حيث قال وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ماحلم عنهم فالأواه هو الذي يكثر التأوهلبلواه و لما يقاسيه و يعانيه مما يشاهده ويراه و هو من باب الغيرة و الحيرة و التأوهأمر طبيعي لا مدخل له في الأرواح من حيثعروها عن الامتزاج بالطبع
الأولياء الأجناد الإلهيون
و من الأولياء الأجناد الإلهيون الذينلهم الغلبة على الأعداء من رجال و نساء رضيالله عنهم قال تعالى وَ إِنَّ جُنْدَنالَهُمُ الْغالِبُونَ فأضافهم إليه سبحانهمن اسمه الملك فهم عبيد الملك و هنا سر فإنالعالم أجناده سلط بعضهم على بعض وَ مايَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ أيما يحصيهم عددا تولى الله طائفة منهمبالعناية الإلهية فأضافهم إلى نفسه بضميرالكناية عن ذاته و لم يصرح باسم إلهي معينمنصوص عليه اكتفاء بتسميتهم جندا والأجناد لا تكون إلا للملك فبين أنهم أهلعدة إذ كانت العدة من خصائص الأجناد التيتقع بها الغلبة على الأعداء و الأعداءالذين في مقابلة هؤلاء الأجناد الشياطين والأهواء و المصارف المذمومة كلها وسلطانهم الهوى و عدة هؤلاء الجند التقوى والمراقبة و الحياء و الخشية و الصبر والافتقار و الميدان الذي يكون فيه المصافو المقابلة إذا ترا آي الجمعان بينهم و بينالأعداء هو العلم في حق بعض الأجناد والايمان في حق بعضهم و العلم و الايمان معافي حق الطبقة الثالثة من الجند
الطبقات الثلاث الأجناد الأناية
فإن أجناد الإنابة الذين لهم الغلبة علىثلاث طبقات الطبقة الخاصة العلية أهل علمبتوحيد الله و أهل علم برسول الله عن دليلعقلي برهاني و أهل إيمان مبناه على هذاالعلم و الطبقة الثانية أهل علم بتوحيدالله عن دليل قطعي من جهة النظر لا عن علمضروري يجدونه في نفوسهم فإنه من الجند فلابد له من آلة يدفع بها العدو المنازع و لايقدر يدفعه صاحب العلم الضروري لكونهعالما من هذا الوجه من غير دليل فإن العدوما يندفع إلا بالدليل و ترتيبه و أصحابالعلم بالله من جهة الضرورة طائفة أخرى لايتميزون في الأجناد و لا يتعرضون لدفع عدوبشبهة قادحة و الطبقة الثالثة أهل إيمانلا أهل علم فهم أهل إيمان يكون عنه خرقعوائد يقوم لهم ذلك مقام الأدلة للعالمفيدفعون بخرق العوائد أعداء الله وأعداءهم كما يدفعه صاحب الدليل فمثل هذهالطبقة هم المسمون جندا
المؤمنون الذين ليسوا بأجناد الأناية
و أما المؤمنون الذين ليس عندهم خرق عادةلدفع عدو