إن اليقين عبارة عن استقرار العلم فيالنفس و الاستقرار ما هو عين المستقر بلالاستقرار صفة للمستقر و هي حقيقة معنويةلا نفسية فليست عين نفس العلم فجازتالإضافة و إنما قلنا إن الجاهل قد يتصفبالعلم فيما هو جاهل به فهو قوله تعالىفَأَعْرِضْ عَنْ من تَوَلَّى عَنْذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّاالْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْمن الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَأَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى فذكر اعلمفي الصنفين إنما شرحنا بهذا الكلام ماقلناه في شعرنا فهو يتضمن شرح ما في هذاالمنزل فلهذا أوردناه فلنرجع لي ما يعطيههذا المنزل فنقول و الله المؤيد
من منزل مناجاة الجماد تسبيح الحصى في كفالنبي ص
اعلم أن من هذا المنزل تسبيح الحصى في كفالنبي صلّى الله عليه وسلّم و من هذاالمنزل أكله كتف الشاة و من هذا المنزل حبهجبل أحد و من هذا المنزل سلم عليه الحجر ومنه يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب و يابس ومنه هرب الحجر بثوب موسى عليه السلام حتىأبصرت بنو إسرائيل عورته بريئة مما نسبواإليه فقال فَبَرَّأَهُ الله مِمَّاقالُوا وَ كانَ عِنْدَ الله وَجِيهاً ومنه قالت السموات و الأرض لما تعلق بهماالأمر الإلهي أَتَيْنا طائِعِينَ و لماكان طلب حمل الأمانة عرضا لا أمرا لهذا أبتالقبول لعلمها أنها تقع في الخطر فلا تدريما يؤول إليه أمرها في ذلك و حكم هذاالمنزل في الشرع واسع فلنذكر بتأييد اللهبعض ما يتضمنه هذا المنزل إن شاء اللهتعالى
علم الحركات المعقولة و المحسوسة
فأول علم يتضمنه هذا المنزل علم الحركاتالمعقولة و المحسوسة فاعلم إن الحركات وهي المعاني التي تكون عنها الانتقالات واختلف أصحابنا فيها هل هي ذوات موجودة فيعينها أم هي نسب و هي عندنا نسب و هذه النسبتعطي من الأحكام بحسب ما تنسب إليه فلهانسبة في المتحيزات تخالف نسبتها في غيرالمتحيزات و نسبة في الأجسام تخالف نسبتهافي الجواهر و ما من موجود إلا و لها فيهنسبة خاصة و إن كانت نسبة
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينزلربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الباقيمن الليل
و هو موصوف سبحانه بأنه على عرشه مستوبالمعنى الذي أراده وَ هُوَ سبحانهمَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ كما يليق بهو هو أقرب من حَبْلِ الْوَرِيدِ إلينا و هوتعالى في العماء ما فوقه هواء و ما تحتههواء فهذا كله يدلك على ما يرادبالانتقالات فقد يكون ظهور حكم صفة علىصفة و قد يكون الانتقال من حال إلى حال و قديكون من حيز إلى حيز و قد يكون من مكان إلىمكان و قد يكون من منزلة إلى منزلة فقدأعلمتك أن الانتقال سار في جميع الموجوداتعلى ما تستحقه ذواتها فتختلف كيفيات النسبو كله راجع إلى حكم الحركة و من هذا البابقوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَالثَّقَلانِ و قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فيشَأْنٍ ثم لتعلم بعد أن قررنا هذا أنالحركة في المتحركات على قسمين طبيعية وهي كالنمو في الناميات و عرضية و العرضيةاختيارية و غير اختيارية فالاختيارية لاتوجد إلا في الحيوان و غير الاختياريةتكون في الحيوان و غيره و قسرية و هي التيتقع من غير المتحرك سواء اقتضاها طبعه أولم يقتضها طبعه فالجماد و النبات الحركةالقسرية فيه لا يقتضيها طبعه و غير الجمادتكون فيه على خلاف ما يقتضيه اختياره و قديكون المحرك من جنس المحرك و قد لا يكون وقد تكون الحركة قسرية عن حركة قسرية و قدتكون لا عن حركة قسرية فالأولى كتحريكالرياح الأغصان و الثانية رمى الإنسانالحجر علوا في الهواء و يدق الكلام في هذهالمسألة و يخفى فإنها مسألة عظيمة القدر وما هي من العقول ببال و لها تعلق ببابالتولد مثل حركة الخاتم لحركة الإصبع وحركة الكم لحركة اليد و للحركة سلطان عظيمحكمها مشهود في الأجسام و لوازمها و معقولفي المعاني و ما لا يعرف حده فلها السريانالأتم في الموجودات و أول حكم لها في كل ماسوى الله خروج الأعيان و انتقالها من حالةالعدم إلى حالة الوجود و لا يصح استقرار منموجود أصلا فإن الاستقرار سكون و السكونعدم الحركة فافهم و بعد أن تقرر هذا فإنالحركة التي في هذا المنزل التبس علىالناس أمرها فما عرفوا هل هي طبيعية أوقسرية أو طبيعية قسرية أو طبيعية لا قسريةأو قسرية لا طبيعية و إنما تصور الخلاف ممنلم يشهد هذا المنزل و لا دخل فيه و هي عندناحركة طبيعية اختيارية لإظهار أسرار عن أمرإلهي و اختلفوا في السبب الموجب لهذهالحركة هل السبب سبب الحميات أو سببهاعالم الأنفاس أو لا سبب لها إلا الأمرالإلهي
تحريك الهواء الأشجار
فاعلم إن الأمر في ذلك وجود الأمر الإلهيفي عالم الأنفاس فتوجه على هذا الكونفحركه فقبل الحركة بطبعه كتوجه الهواء علىالأشجار ليحركها بهبوبه فالمشاهد يرىحركة الأغصان لهبوب الرياح و العلم يرىأنه