لا معرفة عنده بمراتب أصناف الخلق عندالله فيغار الله لذلك حيث هو حق للغير و مايؤثر من الضلالة في الناس فيؤاخذ صاحبالشطحة بها و لا سيما إن ظهرت منه في حالصحو
العالم المكمل بالله هو الذي يحمى نفسهبأن يجعل عليها حجة لله
و كذلك من الشطحات المنقولة عن السادةرؤية فضيلة جنسهم من البشر على الملائكةجهلا منهم و هم مسئولون مؤاخذون بذلك عندالله و العالم بالله المكمل هو الذي يحمينفسه أن يجعل لله عليه حجة بوجه من الوجوهو من أراد أن يسلم من ذلك فليقف عند الأمر والنهي و ليرتقب الموت و يلزم الصمت إلا عنذكر الله من القرآن خاصة فمن فعل ذلك فلميدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا و قداستبرأ لنفسه و أعطى كل ذي حق حقه كما أعطىالله كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و هذا هوالعاقل مقصود الحق من العالم و ما فوق هذهالمرتبة مرتبة لمخلوق أصلا
الفتى من لا يتفتى على الخلق إلا بصفة حقأو أمر حق
هذا قد مشى من الفتوة طرف صالح في حكمها فيالجناب الإلهي و إذا كان الحق يا ولي معغناه و ماله من صفات الجلال و نعوت الكمالقد أريتك ما له من هذه النسبة في إيثارهإياك فأنت أولى بهذه الصفة أن تتصف بها فيحقه خاصة لا في حق الخلق كما اتصف هو بها فيحق الخلق هذا هو عمدتها فينا فالفتى من لايراعي الخلق و لا يتفتى عليهم فإن التفتيعليهم إنما هو لله كما ذكرنا فيكون هذاالعبد يطلب التفتي على جانب الحق إيثاراله على الخلق فلا يتفتى على الخلق إلا بصفةحق أو أمر حق فيكون الحق المتفتي لا هذاالعبد هكذا هو التخلق بالفتوة و إلا فلا إذكان من المحال أن تسري الفتوة من الفتى فيإيثار الغير من غير تأذى الغير لأنالأغراض مختلفة و الأهواء متقابلة رياحهازوابع غير لواقح بل هي عقيم تدمر و لا توجدفما من حالة يرضاها زيد منك إلا و يسخطهاعمرو
أصل الفتوة أن تخرج عن حظ نفسك إيثارا لحظغيرك
فإذا كان الأمر هكذا فاترك الخلق بجانب إنأردت تحصيل هذا المقام و ارجع إلى الله فيأصل الفتوة فإن أصلها أن تخرج عن حظ نفسكإيثار الحظ غيرك لا تخرج عن حظ غيرك إيثارالحظ غيرك فهذا ليس من الفتوة و لو كانتالفتوة هذا ما صح لها وجود فإذا تعارضتالأمور فرجح جانب الحق و زل عن حظك لمايستحقه جلاله إذ قد عاملك بصفة الفتوة معغناه فأنت مع فقرك أحوج إلى ذلك و منإيثارك إياه أنه إن طلب منك أن تطلب منهأجرا على ما تفتيت به عليه فمن الفتوة أنتطلب الأجر فإن امتثالك أمره خروجك عن حظكفيحصل لك حظك بترك حظك مع تحقيق الوصفبالفتوة إبراهيم عليه السلام جاد بنفسهعلى النار إيثار التوحيد ربه فإن كان ذلكعن أمر إلهي فهو أعظم في لفتوة و إن لم يكنعن أمر إلهي فهو فتى على كل حال فإنه من آثرأمر ربه على هوى نفسه فهو الفتى
حقيقة الفتوة إيثار العلم المشروع علىهوى النفس المطبوع
فحقيقة الفتوة أن يؤثر الإنسان العلمالمشروع الوارد من الله على السنة الرسلعلى هوى نفسه و على أدلة عقله و ما حكم بهفكره و نظره إذا خالف علم الشارع المقرر لههذا هو الفتى فيكون بين يدي العلم المشروعكالميت بين يدي الغاسل و لا ينبغي أن يقالهنا يكون بين يدي الحق كالميت بين يديالغاسل فإنه غلط و مزلة قدم فإن الشرع قيدكفقف عند تقييده فما أوجب عليك مما هو له أنتنسبه إلى نفسك أو إلى مخلوق من المخلوقاتسوى الله فمن الفتوة أن تنسبه إلى ذلك لاإلى الله حقيقة كما أمرك و إن دلك على خلافذلك عقلك فارم به و كن مع العلم المشروع وما أوجب أن تنسبه إليه سبحانه فانسبه إليهتعالى و ما خيرك فيه فإن شئت أن تقف و لاتعين و إن شئت نظرت بما يتعلق بالمخير فيهمن حمد فانسبه إليه و ما تعلق به من ذمفانسبه إليه و ما تعلق به من ذم فانسبه إلىنفسك أدبا مع الله فإن الأدب عبارة عن جماعالخير فما زلت عن مقام الفتوة
الفتوة تخيير للعبد من الله و اختيار منالعبد لمولاه
كان الشيخ أبو مدين رحمه الله إذا جاءهمأكول طيب أكله و إذا جاءه مأكول خشن أكلهو إذا جاع و جاءه نقد علم إن الله قد خيرهإذ لو أراد أن يطعمه أي صنف شاء منالمأكولات جاء به إليه فيقول هذا النقدثمن المأكول جاء به الله للتخيير والاختيار فينظر في ذلك الوقت ما هو الأحبإلى الله من المأكولات بالنظر إلى صلاحالمزاج للعبادة لا إلى الفرض النفسي واتباع الشهوة فإن وافقه كل مأكول حينئذيرجع إلى موطن الدنيا و ما ينبغي أن يعاملبه من الزهد في ملذوذاتها مع صلاح المزاجالذي يقوم بصلاحه العبادة المشروعة فيعدلبحكم الموطن إلى شظف العيش الذي تكرههالنفس لعدم اللذة به و يكتفي بلذة الحاجةفإنه يتناوله عند الضرورة فإن لذة الضرورةما فوقها لذة لأن الطبع يطلبها و إذا حصلللطبع طلبه التذ به
لا تحليل و لا تحريم بعد انقطاع الرسالةمع خاتم النبيين
فالفتى هو من ذكرناه و يسرى فعله و تصرفهفي الجماد و النبات و الحيوان و في كلموجود و لكن على ميزان العلم المشروع و إنورد عليه أمر إلهي فيما يظهر له يحل له ماثبت تحريمه في نفس الأمر من الشرع المحمديفقد لبس فيه فيتركه و يرجع إلى حكم