قرب من اسم إلهي صاحب بعد من اسم آخر لاحكم له فيه في الوقت فإن كان حكم ذلك الاسمالحاكم في الوقت المتصف بالقرب منه يعطيللعبد فوزا من الشقاء و حيازة لسعادتهفذلك هو القرب المطلوب عند القوم و هو كلما يعطي العبد سعادة و إن لم يعط ذلك فليسبقرب عند القوم و إن كان قربا من وجه آخر لامن حيث ما وقع عليه الاصطلاح
أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنربه في هذا الباب أن الله يقول ما تقربالمتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضتهعليهم و لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافلحتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا و بصرا ويدا و مؤيدا
و
قال سبحانه في الخبر الصحيح من تقرب إليشبرا تقربت إليه ذراعا و من تقرب إلي ذراعاتقربت منه باعا و من أتاني يسعى أتيتههرولة
و قال تعالى وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِيعَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُدَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ و قال فيحق الميت وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِمِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ و معناهعندنا لا تميزون يقول تبصرون و لكن لاتعرفون ما تبصرون فكأنكم لا تبصرون
أن القرب من الله على ثلاثة أنحاء
اعلم أن القرب من الله على ثلاثة أنحاء
قرب بالنظر في معرفة الله جهد الاستطاعة
أصاب في ذلك أو أخطأ بعد بذل الوسع فيالاجتهاد في ذلك فقد يعتقد المجتهد فيماليس ببرهان أنه برهان فيجازيه الله مجازاةأصحاب البراهين الصحيحة و قد نبه سبحانهعلى ما يفهم منه ما ذكرناه و هو قوله وَ منيَدْعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لابُرْهانَ لَهُ به و قد رأى بعض العلماء أنالاجتهاد يسوغ في الفروع و الأصول فإنأخطأ فله أجر و إن أصاب فله أجران
النوع الثاني قرب بالعلم
و النوع الآخر قرب بالعلم
و النوع الثالث قرب بالعمل
و ينقسم على قسمين قرب بأداء الواجبات وقرب بالمندوبات في عمل الظاهر و الباطن
فأما قرب العلم فأعلاه توحيد الله فيالوهته فإنه لا إله إلا هو فإن كان عن شهودلا عن نظر و فكر فهو من أولي العلم الذينذكرهم الله في قوله شَهِدَ الله أَنَّهُلا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ لأن الشهادة إن لم تكنعن شهود و إلا فلا فإن الشهود لا يدخلهالريب و لا الشكوك و إن وحده بالدليل الذيأعطاه النظر فما هو من هذه الطائفةالمذكورة فإنه ما من صاحب فكر و إن أنتج لهعلما إلا و قد يخطر له دخل في دليله و شبهةفي برهانه يؤديه ذلك إلى التحير و النظر فيرد تلك الشبهة فلذلك لا يقوى صاحب النظر فيعلم ما يعطيه لنظر قوة صاحب الشهود و هذاالصنف إذا قضى الله عليه بدخول النارلأسباب أوجبت له ذلك فهو الذي يخرجه الحقمن النار بعد شفاعة الشافعين و أما قربالعمل فهو علم ظاهر و هو ما يتعلق بالجوارحو علم باطن و هو ما يتعلق بالنفس فأعمالأعمال الباطنة الايمان بالله و ما جاءمن عنده لقول الرسول لا للعلم بذلك و عملالايمان يعم جميع الأفعال و التروك فما منمؤمن يرتكب معصية ظاهرة أو باطنة إلا و لهفيها قربة إلى الله من حيث إيمانه بها إنهامعصية فلا يخلص أبد المؤمن عمل سيئ دون أنيخالطه عمل صالح قوله تعالى فيمن هذه صفتهعَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ و ماذكر لهم قربة فما تاب هنا في هذه الآيةعليهم ليتوبوا و إنما هو رجوع بالعفو والتجاوز و عسى من الله واجبة عند جميعالعلماء فالشرط المصحح لقبول جميعالفرائض فرض الايمان ثم يتقرب العبد بأداءالفرائض فمن حصل له هنا ثمرتها كان سمعاللحق و بصرا فيريد الحق بإرادته على غيرعلم منه أن مراده مراد لله وقوعه فإن علمفليس هو صاحب هذا المقام هذا ميزان أداءالفرائض و هو أحب ما يتقرب به إلى الله وأما قرب النوافل فإنه أيضا يحبه الله ومحبة الله أعطته أن يكون الحق سمعه و بصرههذا ميزانها في قرب النوافل و لما كانتالمحبة لها مراتب متميزة في المحب قيل محبو أحب و قد وصف الله نفسه بأحب في قوله بأحبإلي من أداء ما افترضته عليه و في النوافلقال أحببته من غير مفاضلة و افترض عليهالايمان به و بما جاء من عنده فالمؤمن لهمرتبة الحب و الأحب و أما عمل الجوارح فإنهقرب أيضا و لا بد أن تجني الجارحة ثمرتهاأي ثمرة عملها في حق كل إنسان من غير تقييدو لكن هم في ذلك على طبقات مختلفة في أي داركانوا أو من أي صنف كانوا و سواء قصد القرببذلك العمل أو لم يقصد فإن العمل يطلبميزانه و قد وقع من الجارحة فهو حق لها والنية حق للنفس حتى أنه لو ذكر الله بيمينفاجرة يقتطع بها حق امرئ لكان للجارحة أجرذكر الله لما جرى على اللسان و على النفسوزر ما نوته من ذلك و التنبيه على ماذكرناه كون حكم ظاهر الشرع أسقط عنهبيمينه حق الطالب فإذا كان أثرها فيالظاهر بهذه القوة في الدنيا فما ظنك بماتجنيه تلك الجارحة الذاكرة ربها في الأخرىفإن الجارحة لا خبر لها بما نوته