من حيث صورها فإنه لا يتمكن لهم ذلك فإنهمفي خلوتهم لا بد أن يشاهدوا صور ما تخلوافيه من جدار و باب و سقف و آلات قام بيتالخلوة منها و وطاء و غطاء و مأكول و مشروبفالصور لا يتمكن له التخلي عنها فلم يبقالهرب إلا مما يطرأ من هذه الصور من الكلامالمفهوم لا من الأفعال لأن صاحب الخلوة لوكانت معه الحيوانات لم يزل في خلوة و لايشغله عن مطلوبه إلا أن يخاف من ضررها كذلكأيضا لو كان في الجدار ميل لخاف من تهدمه وسقوطه عليه فإذا ما اختار التخلي إلا لأجلالكلام الذي تتكلم الناس به فلو فهم مايتكلم الناس به على الوجه الذي وضعه الحقفيهم لزاد علما بما لم يكن عنده و لو صلىصلاة واحدة أعني ركعة واحدة لما طلبالتخلي فإنه إذا سمع قول العبد سمع اللهلمن حمده و إن ذلك القول لله لسرت الحقيقةفي جميع ما يسمع فكلام الناس كله يفيدالعارفين علما بالله و لهذا من كراماتالصالحين أن يسمعهم الله نطق الأشياء فلولم يفدهم ذلك علما لم يكن ذلك إكراما منالله بهم فمن رزق الفهم عن الله استوت عندهالخلوة و الجلوة بل ربما تكون الجلوة أتمفي حقه و أعظم فائدة فإنه في كل لحظة يزيدعلوما بالله لم تكن عنده
(«بسم الله الرحمن الرحيم»)
«الباب السادس و مائتان في حال التجليبالجيم»
للغيب نور على البصائر
لكل قلب من كل شخص
فشاهد الأمر كيف يجري
فعنده أول و ظاهر
قسمه كالصلاة فينا
ما بين عبد حبيس عجز
بفضله قد سرى إلينا
ما يحمد الله فيالضمائر
يظهر ما كان فيالسرائر
أحضره الحق فيالمحاضر
و عاين الحكم فيالمقادر
و عندنا باطن و آخر
عينا لعين فاشكر وبادر
و بين رب عليه قادر
ما يحمد الله فيالضمائر
ما يحمد الله فيالضمائر
التجلي ما ينكشف للقلوب من أنوارالغيوب
اعلم أن التجلي عند القوم ما ينكشف للقلوبمن أنوار الغيوب و هو على مقامات مختلفةفمنها ما يتعلق بأنوار المعاني المجردة عنالمواد من المعارف و الأسرار و منها مايتعلق بأنوار الأنوار و منها ما يتعلقبأنوار الأرواح و هم الملائكة و منها مايتعلق بأنوار الرياح و منها ما يتعلقبأنوار الطبيعة و منها ما يتعلق بأنوارالأسماء و منها ما يتعلق بأنوار المولداتو الأمهات و العلل و الأسباب على مراتبهافكل نور من هذه الأنوار إذا طلع من أفق ووافق عين البصيرة سالما من العمي و الغشي والصدع و الرمد و آفات الأعين كشف بكل نورما انبسط عليه فعاين ذوات المعاني على ماهي عليه في أنفسها و عاين ارتباطها بصورالألفاظ و الكلمات الدالة عليها و أعطتهبمشاهدته إياها ما هي عليه من الحقائق فينفس الأمر من غير تخيل و لا تلبيس فمنهاأنوار نسعى بها و منها أنوار نسعى إليها ومنها أنوار نسعى منها و منها أنوار تسعىبين أيدينا و منها أنوار تكون خلفنا يسعىبها من يقتدي بنا و منها أنوار تكون عنإيماننا تؤيدنا و منها أنوار تكون عنشمائلنا تقينا و منها أنوار تكون فوقناتنزل علينا لتفيدنا و منها أنوار تكونتحتنا نملكها بالتصرف فيها و منها أنوارنكونها هي أبشارنا و في أبشارنا و أشعارناو في أشعارنا و هي غاية الأمر فأما أنوارالمعاني المجردة عن المواد فكل علم لايتعلق بجسم و لا جسماني و لا متخيل و لابصورة و لا نعلمه من حيث تصوره بل نعقلهعلى ما هو عليه و لكن بما نحن عليه و لايكون ذلك إلا حتى أكون نورا فما لم أكنبهذه المثابة فلا أدرك من هذا العلم شيئا وهو قوله
في دعائه صلّى الله عليه وسلّم و اجعلنينورا
و الله يقول الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فما أنارت إلا به كما قال وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهايعني أرض المحشر يقول ما ثم شمس و عدمالنور ظلمة و لا بد من الشهود فلا بد منالنور و هو يوم يأتي فيه الله للفصل والقضاء فلا يأتي إلا في اسمه النور فتشرقالأرض بنور ربها و تعلم كل نفس بذلك النورما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ لا بها تجدهمحضرا يكشفه لها