أن يكون عدما فبقي أن يكون وجودا و إذا كانوجودا فلا بد أن يكون المعدم شرطا أو ضدا وأن كل واحد من هذين إما أن يكون واجبالوجود أيضا لنفسه فمن المحال وجود هذاالذي دل الدليل على وجوب وجوده لنفسه ثميساق الدليل على مساق الأدلة في المعقولاتثم يسافر في منزلة أخرى إلى أن ينفي عنه كلما يدل على حدوثه فيحيل أن يكون هذا المرجحجوهرا متحيزا أو جسما أو عرضا أو في جهة ثميسافر في علم توحيده بوجود العالم و بقائهو صلاحه إذ لو كان معه إله آخر لم يوجدالعالم على تقدير الاتفاق و الاختلاف كمايعطيه النظر ثم ينتقل مسافرا أيضا إلىمنزلة تعطيه العلم بما يجب لهذا المرجح منالعلم بما أوجده و خلقه و الإرادة لذلك ونفوذها و عدم قصورها و عموم تعلق قدرتهبإيجاد هذا الممكن و حياة هذا المرجحلأنها الشرط في ثبوت هذه النعوت له و إثباتصفات الكمال من الكلام و السمع و البصربأنه لو لم يكن على ذلك لكان مئوفا لأنالقابل لا حد الضدين إذا عرى عن أحدهما لميعر عن الآخر فإذا عرف هذا سافر إلى منزلةأخرى يعلم منها و تسفر له عن إمكان بعثةالرسل ثم يسافر فيعلم أنه قد بعث رسلا وأقام لهم الدلالة على صدقهم فيما ادعوه منأنه بعثهم و لما تقرر هذا و كان هو ممن بعثإليه هذا الرسول فآمن به و صدقه و اتبعهفيما رسم له حتى أحبه الله فكشف له عن قلبهو طالع عجائب الملكوت و انتقش في جوهر نفسهجميع ما في العالم وفر إلى الله مسافرا منكل ما يبعده منه و يحجبه عنه إلى أن رآه فيكل شيء فلما رآه في كل شيء أراد أن يلقيعصا التسيار و يزيل عنه اسم المسافر فعرفهربه أن الأمر لا نهاية له لا دنيا و لا آخرةو أنك لا تزال مسافرا كما أنت على ذلك لايستقر بك قرار كما لم تزل تسافر من وجودإلى وجود في أطوار العالم إلى حضرة أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ثم لم تزل تنتقل منمنزلة إلى منزلة إلى أن نزلت في هذا الجسمالغريب العنصري فسافرت به كل يوم و ليلةتقطع منازل من عمرك إلى منزلة تسمى الموتثم لا تزال مسافرا تقطع منازل البرازخ إلىأن تنتهي إلى منزلة تسمى البعث فتركبمركبا شريفا يحملك إلى دار سعادتك فلاتزال فيها تتردد مسافرا بينها و بين كثيبالمسك الأبيض إلى ما لا نهاية له هذا سفركبهيكلك و أما في المعارف فمثل ذلك و كذلكلا تزال مسافرا بالأعمال البدنية والأنفاس من عمل إلى عمل ما دام التكليففإذا انتهت مدة التكليف فلا تزال مسافراسفرا ذاتيا تعبده لذاته لا بأمره سُبْحانَالَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًافسافر به من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَىالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ليريه من آياته وقد ذكرنا هذا السفر في جزء لنا سميناهالأسفار عن نتائج الأسفار و قال تعالى فيالمسافرين أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فيمَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وقال أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا في الْأَرْضِفَيَنْظُرُوا و يَوْمَ يُرْجَعُونَإِلَيْهِ فهذا معنى المسافر
الباب الحادي و التسعون و مائة في معرفةالسفر و الطريق و هو توجه القلب إلى اللهبالذكر عن مراسم الشرع بالعزائم لا بالرخصما دام مسافرا
توجه القلب بالأذكار مرتحلا
على التحقق إن القلب في سفر
و كل متصف بالسير راحته
الرب ينزل من عرش إلى فلك
إليك وحدك دون الخلق كلهم
على محبته فينا و صورته
و أنت حق و ذاك الحق أنزله
في مظهر قيدتهفيه أركان
على مراسمدين الله عنوان
عزما و فيهدلالات و برهان
معدومة العين والأحوال سلطان
أدنى أتاك بهوحي و فرقان
و في تنزلهللكون تبيان
تدعوه مني فلايحجبك إنسان
في مظهر قيدتهفيه أركان
في مظهر قيدتهفيه أركان
السفر إلى الله
اعلم أيدك الله أن السفر حال المسافر والطريق هو ما يمشي فيه و يقطعه بالمعاملاتو المقامات و الأحوال و المعارف لأن فيالمعارف و الأحوال الأسفار عن أخلاقالمسافرين و مراتب العالم و منازل الأسماءو الحقائق و لهذا استحقت هذا اللقب و قدمشى الكلام في السالك و السلوك بما قد وقفتعليه و الإنسان لما كان مجموع العالم ونسخة الحضرة الإلهية التي هي ذات و صفات وأفعال احتاج إلى مطرق يطرق له السلوكعليها و السفر فيها ليرى العجائب و يقتنيالعلوم و الأسرار فإنه سفر تجارة فكانالمطرق الشارع و الطريق المطرقة الشريعةفمن سافر في هذه الطريق وصل إلى الحقيقة