تلحق بعالم الغيب و المعينات تلحق بعالمالشهادة لأن المضمر صالح لكل معين لا يختصبه واحد دون آخر فهو مطلق و المعين مقيدفإنك إذا قلت زيد فما هو غيره من الأسماءلأنه موضوع لشخص بعينه و إذا قلت أنت أو هوأو إنك فهو ضمير يصلح لكل مخاطب قديم وحديث فلهذا فرقنا بين المضمر و المعينبالاسم أو الصفة و الصفة برزخية بينالأسماء و بين الضمائر فإنك إذا قلتالمؤمن أو الكاتب فقد ميزته من غير المؤمنفأشبه زيدا من وجه ما عينته الصفة و أشبهالضمائر من وجه إطلاقه على كل من هذه صفتهغير إن الضمير الخطابي مثلا يعم كل مخاطبكائنا من كان من مؤمن و غير مؤمن و إنسان وغير إنسان
تقوى الله حق تقاته و تقوى الله علىالاستطاعة
فتقوى الله حق تقاته هو رؤية المتقيالتقوى منه و هو عنها بمعزل ما عدى نسبةالتكليف به فإنه لا ينعزل عنها لما يقتضيهمن سوء الأدب مع الله فحال المتقي لله حقتقاته كحال من شكر الله حق الشكر و قد تقدممعنى ذلك و هذه الآية من أصعب آية مرت علىالصحابة و تخيلوا أن الله خفف عن عبادهبآية الاستطاعة في التقوى و ما علموا أنهمانتقلوا إلى الأشد و كنا نقول بما قالوه ولكن الله لما فسر مراده بالحقية في أمثالهذا هان علينا الأمر في ذلك و علمنا إنتقوى الله بالاستطاعة أعظم في التكليففإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهداستطاعته لا بد من فضلة يبقيها و في حقتقاته ليس كذلك و علمنا إن الله أثبت العبدفي الاستطاعة فلا ينبغي أن ننفيه عنالموضع الذي أثبته الحق فيه فإن ذلكمنازعة لله و في حق تقاته أثبت له النظرإليه في تقواه و هو أهون عليه فما كانشديدا عندهم كان في نفس الأمر أهون و عندمن فهم عن الله و ما كان هينا عندهم كان فينفس الأمر شديدا و عند من فهم عن اللهجعلنا الله ممن فهم عنه خطابه فأتاه رحمةمن عنده و هو ما أعطاه من الفهم و علمه منلدنه علما فلم يكله إلى عنديته و لا إلىنفسه بل تولى تعليمه ليريحه لما هو عليه منالضعف
حال التبري و حال الدعوى
و لو لا إن العبد ادعى الاستطاعة فيالأفعال و الاستقلال بها ما أنزل اللهتكليفا قط و لا شريعة و لهذا جعل حظ المؤمنمن هذه الدعوى أن يقول وَ إِيَّاكَنَسْتَعِينُ و قال في حقنا و حق أمثالناممن تبرأ من الأفعال الظاهر وجودها منهقولوا لا حول و لا قوة إلا بالله العليالعظيم عن أن يشارك فيها فهي له خالصة فكمبين الحالين بين التبري و الدعوى فالمدعيمطالب بالبرهان على دعواه و المتبرئ غيرمطالب بذلك و لا تقل إن التبري دعوى فإنالتبري لا يبقي شيئا و على ذلك ينطلق اسمالمتبرئ و نحن نتكلم في الأمر المحقق فإنكتابنا هذا بل كلامنا كله مبناه في الكلامعلى الأمور بما هي عليه في أنفسها و التبريصفة إلهية سلبية و العبد حقيقته سلب والدعوى صفة إلهية ثبوتية لا تنبغي إلا للهعز و جل و العبد إذا اتصف بها لم يزاحم اللهفيها و يقول لا حول و لا قوة إلا بالله ومهما قال وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإنمايقولها تاليا لا حقيقة فله ما نوى و هوبحيث علم و لو لا ما ظهر العبد بالدعوى ماقيل له فَاتَّقُوا الله ما اسْتَطَعْتُمْبالقوة التي جعلتها لكم فيكم بين الضعفينفمن تنبه على إن قوته مجعولة و أنها لمنجعلها لم يدع فيها بل هي أمانة عنده لايملكها و الإنسان لا يكون غنيا إلا بمايملكه و الأمانة عارية لا تملك مأمور من هيعنده بردها إلى أهلها و هو قوله لا حول و لاقوة إلا بالله أي القوة قائمة بالله لا بنافالمدعون في القوة يجعلون ما من قوله مااسْتَطَعْتُمْ مصدرية و أهل التبرييجعلونها للنفي في الآية فنفى عندهمالاستطاعة في التقوى و أثبتها عند منجعلها مصدرية
رد جميع الأمور إلى الله و التعويل عليهفي كل شئون الحياة
و لما كان المعنى في التقوى أن تتخذ وقايةمما ينسب إلى المتقي فإذا جاءت النسبةحالت الوقاية بينها و بين المتقي أن تصلإليه فتؤذيه فتلقتها الوقاية فلا أحد أصبرعلى أذى من الله فإن السهم و الطعن و الحجرو الضرب بالسيف و ما أشبه ذلك عند المثاقفإنما تتلقاها الوقاية و هي المجن الذيبيده و هو من ورائها ماسك عليها لكنه يحتاجإلى ميزان قوي لأمور عوارض عرضت للنسبةتسمى مذمومة فيقبلها العبد و لا يجعل اللهوقاية أدبا و إن كان لا يتلقاها إلا اللهفي نفس الأمر و لكن الأدب مشروع للعبد فيذلك و لا تضره هذه الدعوى لأنها صورة لاحقيقة و إذا علم الله ذلك منك جازاك جزاءمن رد الأمور إليه و عول في كل حال عليه وسكن تحت مجاري الأقدار و تفرج فيما يحدثالله في أولاد الليل و النهار فهذا تقوىالله قد أومأنا إلى تحقيقه إيماء فإنللكلام في معناه مجالا رحبا يطول فاكتفينابهذا و انتقلنا إلى تقوى الحجاب و الستر والكل من تقوى الله فإنه الأصل انتهى الجزءالثالث و التسعون