من هذا و مع هذا الصدق فتركه أولى لأنمراعاة حق الله أولى من مراعاة الخلق إذمراعاة الخلق إن لم تكن عن مراعاة مر الحقبها و إلا فهي مداهنة و المداهنة نعت مذموملا ينبغي لأهل الله أن تتصف بشيء لا يكونللحق فيه أمر بوجوب إن كان فعلا أو يكونلذلك الفعل نعت إلهي في النعوت فتستندإليه فيه و لو كان مذموما في الخلق فإنهمحمود في جانب الحق لظهور الحق به لأمريقتضيه الحكم فمستنده الإلهي قول نوحلقومه فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَماتَسْخَرُونَ و قول الله إِنَّانَسِيناكُمْ... كَما نَسِيتُمْ لِقاءَيَوْمِكُمْ هذا فوصف نفسه بالنسيان و يظهرحكم مثل هذا المقصود من ألحق به هَلْثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوايَفْعَلُونَ فموضع الاستشهاد من هذاالموافقة في الصورة فانسحب الاسم عليه فيالجناب الإلهي كما انسحب عليه في الجنابالكوني و لم يكن الغرض كون ذلك الأمرمحمودا أو مذموما و إنما المراد ظهورالموافقة الإلهية فلما رأى أهل الله ظهورالموافقة الإلهية سامحوا في التواجد واشترطوا التعريف لما يعطيه مقام الصدقالذي عليه اعتماد القوم فإن قلت فهذهالموافقة الإلهية و النبوية إنما وقعت فيدارين و مجلسين مختلفين و التواجد في مجلسواحد قلنا صدقت فيما ذكرته في عين مااستشهدنا به فنحن ما قصدنا إلا الموافقةفإن أردت حصول الأمر من الجانبين في وقتواحد فذلك موجود في مكر الله بالماكرين منحَيْثُ لا يَشْعُرُونَ فلا يكون ذلك إلافي الدنيا فإنهم في الآخرة يعرفون أن اللهمكر بهم في الدنيا بما بسط لهم فيها مماكان فيه هلاكهم فهنا وقع المكر بهم حيث وقعالمكر منهم بل في بعض الوقائع أو أكثرها بلكلها إن عين مكرهم هو مكر الله بهم وَ هُمْلا يَشْعُرُونَ و
لما دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلّىالله عليه وسلّم فوجده و أبا بكر يبكيان فيقضية أسارى بدر فقال لهما عمر بن الخطاباذكر إلى ما أبكاكما فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجده تباكيت
أي أوافقكما في إرسال الدموع و التباكيكالتواجد إظهار صورة من غير حقيقة فهيصورة بلا روح غير أن لها أصلا معتبرا ترجعإليه و هو ما ذكرناه فإن قلت فكيف تعطيالحقائق إظهار حكم معنى في الظاهر من غيروجود ذلك المعنى فيمن ظهر عليه حكمه قلناهذا موجود في الإلهيات في قوله وَ لايَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَ إِنْتَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ و الرضيإرادة و قد نفى أن يكون مرضيا عنده فقد نفىأن يكون مرادا له فقد ظهر حكم معنى نفاهالحق عن نفسه فكذلك حكم الوجد في التواجدمع نفي الوجد عنه و لمسألة الرضي معنى دقيقذكرناه في كتاب المعرفة و هو جزء لطيففلينظر هناك و إنما جئنا به هنا صورة لمنذهب به مذهب التحقيق الذي لنا في الأشياءو إنما أخرجناه مخرج البرهان الجدليالموضوع لدفع حجة الخصم لا لإقامة البرهانعلى الحق فالوجد الظاهر في التواجد هو حكموجد متخيل في نفس المتواجد فهو حكم محقق فيحضرة خيالية و قد بينا أن الخيال حضرةوجودية و أن المتخيلات موصوفة بالوجود فماظهر المتواجد بصورة حكم الوجد إلا لهذاالوجد المتخيل في نفسه فما ظهر إلا عن وجودفله وجه إلى الصدق و لهذا يجب على المتواجدالتعريف بتواجده ليعلم السامع من أهلالمجلس أن ذلك عن الوجد المتخيل لا عنالوجد القائم بالنفس في غير حضرة الخيالله في و الخيال حكم صحيح في الحس كصاحبالصفراء إذا كان في موضع يتخيل السقوط منهفيسقط فهذا سقوط عن تخيل ظهر حكمه في الحسو كذلك المتواجد قد يحكم عليه الوجدالمتخيل بحيث أن يفنيه عن الإحساس كمايفنى صاحب الوجد الصحيح و لكن بينهمافرقان في النتيجة قد ذكرناه في شرح ما لايعول عليه في الطريق فإن نتيجة الوجدالصحيح مجهولة و نتيجة الوجد الخيالي إذاحكم مقيدة معلومة يعلمها صاحبها إن كان منأهل هذا الشأن فإنه ما ينتج له إلا مايناسب خياله في الوجد و هو معلوم و الوجدالصحيح مصادفة من حيث لا يشعر صاحبه فلايدري بما يأتيه به و قد ذكرنا في التواجدما فيه غنية وَ الله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
«الباب السادس و الثلاثون و مائتان فيالوجد»
إذا أفناك عنك ورود أمر
له حكم و ليس عليه حكم
و ذا من أعجب الأشياء فيه
فإن مزاجه عسلو ماء
فذاك الوجد ليسبه خفاء
نعم و له التلذذ والفناء
فإن مزاجه عسلو ماء
فإن مزاجه عسلو ماء