بالعزلة ثم إن ارتقى إلى طور أعلى من هذافيجعل عزلته رياضة و تقدمة بين يدي خلوتهلتالف النفس قطع المألوفات من الأنسبالخلق فإنه يرى الأنس بالخلق من العلائقو العوائق الحائلة بينه و بين مطلوبه منالأنس بالله و الانفراد به فإذا انتقل منالعزلة بعد إحكامه شرائطها سهل عليه أمرالخلوة هذا سبب العزلة عند خاصة أهل الله
العزلة التي هي نسبة و العزلة التي هيمقام
فهذه العزلة نسبة لا مقام و العزلة الأولىالتي ذكرناها مقام مطلوب و لهذا جعلناهافي المقامات من هذا الكتاب و إذا كانتمقاما فهي من المقامات المستصحبة فيالدنيا و الآخرة فللعارفين من أهل الأنس والوصال في العزلة من الدرجات خمسمائة درجةو ثمان و ثلاثون درجة و للعارفين الأدباءالواقفين مائة و ثلاث و أربعون درجة وللملامية فيها من أهل الأنس خمسمائة درجةو سبع درجات و للملامية من أهل الأدبالواقفين معهم مائة و اثنتي عشرة درجة والعزلة المعهودة في عموم أهل الله منالمقامات المقيدة بشرط لا تكون إلا به و هينسبة في التحقيق لا مقام إلا أنها تحصلعنها فوائد أقلها العصمة لها الدعوىصاحبها مسئول و علتها سوء الظن بنفسك أوبمن اعتزلت عنهم و هذا كله في عزلة العمومو هي من عالم الجبروت و الملكوت ما لها قدمفي عالم الشهادة فلا تتعلق معارفها بشيءمن عالم الملك
(الباب الحادي و الثمانون في ترك العزلة)
لا تفرحن بالاعتزال فإنه
نور الإله أجل منك نفاسة
لم يعتزل عن نور كون حادث
لو أن نور الحق معتزل لما
بالنور من فلك البهاء إذا بدا
للناظرينأضاءت الأشباح
جهل و أين اللهو الأرواح
و مع الجلالجليسه المصباح
و إلى التعلقذاته ترتاح
ظهر الوجود ودامت الأفراح
للناظرينأضاءت الأشباح
للناظرينأضاءت الأشباح
مثير العزلة إنما هو خوف القواطع أو رجاءالوصلة
اعلم أيدنا الله و إياك أن مثير العزلةإنما هو خوف القواطع عن الوصلة بالجنابالإلهي أو رجاء الوصلة بالعزلة به لما كانفي حجاب نفسه و ظلمة كونه و حقيقة ذاتهيبعثها على طلب الوصلة ما هي عليه منالصورة الإلهية كما يطلب الرحم الوصلةبالرحمن لما كانت شجنة منه
ارتباط الكون بالله وصف ذاتى للكون
ثم إن العبد رأى ارتباط الكون باللهارتباطا لا يمكن الانفكاك عنه لأنه وصفذاتي له و تجلى له في هذا الارتباط و عرف منهذا التجلي وجوبه به و أنه لا تثبت لمطلوبههذه الرتبة إلا به و أنه سرها الذي لو بطللبطلت الربوبية و رآه في كل شيء مثل ما هوعنده و نسبة كل شيء إليه كنسبته هو إليهفلم يتمكن له الاعتزال
النور و المشكاة و المصباح
فتأدب مع قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِكَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ أي صفة نورهصفة المصباح و لم يقل صفة الشمس فإنالإمداد في نور الشمس يخفى بخلاف المصباحفإن الزيت و الدهن يمده لبقاء الإضاءة فهوباق بإمداد دهني من شجرة نسبة الجهاتإليها نسبة واحدة منزهة عن الاختصاص بحكمجهة و هو قوله لا شَرْقِيَّةٍ وَ لاغَرْبِيَّةٍ و هذا الإمداد من نور السبحاتالظاهرة من وراء سبحات العزة و الكبرياء والجلال فما ينفذ من نور سبحات هذه الحجب هونُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و مثلهكمثل المصباح و النور الذي في الدهن معلومغير مشهود وضوء المصباح من أثره يدل عليه وعلى الحقيقة ما هو نور و إنما هو سبب لبقاءالنور و استمراره فالنور العلمي منفر ظلمةالجهل من النفس فإذا أضاءت ذات النفسأبصرت ارتباطها بربها في كونها و في كون كلكون فلم تر عمن تعتزل
النشأتان الظاهرة و الباطنة شاهدتان علىالنفس المدبرة
و جعل هذا النور في مشكاة و زجاجة مخافةالهواء أن يجيره و يشتد عليه فيطفيه فكانمشكاته و زجاجته نشأته الظاهرة و الباطنةفإنهما من حيث هما عاصمان فإنهما من الذينيُسَبِّحُونَ بحمد الله اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و هما اللذانيشهدان على النفس المدبرة إذا أنكرت بينيدي الله فهما أهل عدالة قال تعالى شَهِدَعَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وهما من النشأة الباطنة و جلودهم و هي منالنشأة الظاهرة فما من شخص يروم مخالفة حقإلا و نشأتاه تقولان له لا تفعل أيها الملكو لا تحوجنا أن نكون سببا في إهلاكك فإنالله إن استشهدنا شهدنا
أ لا ترى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لمابلغ و أنذر و وعد و أوعد قال لقومه إنكملتسئلون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهدأنك بلغت و نصحت و أديت فقال اللهم اشهد
و قد سأل هود قومه مع شركهم فقالاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّاتُشْرِكُونَ فاستشهدهم لعلمه أنهم لا بدأن يسألهم و نحن رعيتك و لا حركة لنا إلا بكفلا تحركنا إلا