الاسم الأحد ينطلق على كل شيء مع كونهنعتا إلهيا
اعلم أن الاسم الأحد ينطلق على كل شيء منملك و فلك و كوكب و طبيعة و عنصر و معدن ونبات و حيوان و إنسان مع كونه نعتا إلهيافي قوله قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ و جعله نعتاكونيا في قوله وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِرَبِّهِ أَحَداً و ما من صنف ذكرناه منهؤلاء الأصناف الذين هم جميع ما سوى الله وقد حصرناهم إلا و قد عبد منهم أشخاص فمنهممن عبد الملائكة و منهم من عبد الكواكب ومنهم من عبد الأفلاك و منهم من عبد العناصرو منهم من عبد الأحجار و منهم من عبدالأشجار و منهم من عبد الحيوان و منهم منعبد الجن و الإنس
المخلص في العبادة التي هي له ذاتية أن لايقصد بها إلا من أوجده
فالمخلص في العبادة التي هي ذاتية له أنلا يقصد إلا من أوجده و خلقه و هو اللهتعالى فتخلص له هذه العبادة و لا يعامل بهاأحدا ممن ذكرناه أي لا يراه في شيء مماذكرناه لا من حيث عين ذلك الشيء و لا منحيث نسبة الأحدية له فإن الناظر أيضا لهأحدية فليعبد نفسه فهو أولى له و لا يذللاحدية مثله إذ و لا بد من ذلته لغير أحديةخالقه فيكون أعلى همة ممن ذل لاحدية مخلوقمثله
ما من مخلوق إلا و فيه نفس دعوى ربوبية
و ما من شيء من المخلوقات إلا و فيه نفسدعوى ربوبية لما يكون عنه في الكون منالمنافع و المضار فما من شيء في الكونإلا و هو ضار نافع فهذا القدر فيه منالربوبية العامة و بها يستدعي ذلة الخلقإليه أ لا ترى الإنسان على شرفه على سائرالموجودات بخلافته كيف يفتقر إلى شرب دواءيكرهه طبعا لعلمه بما فيه من المنفعة لهفقد عبده من حيث لا يشعر كرها و إن كان منالأدوية المستلذة لمزاج هذا المريض و هوقد علم إن استعماله ينفعه فقد عبده من حيثلا يشعر طوعا و محبة و كذا قال الله وَلِلَّهِ يَسْجُدُ من في السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً و خذ الوجودكله على ما بينته لك
الافتقار إلى جلب المنافع و الحاجة إلىدفع المضار أدى النفوس الضعيفة إلى عبادةالأشياء
فإنه ما من شيء في الكون إلا و فيه ضرر ونفع فاستجلب بهذه الصفة الإلهية نفوسالمحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياءو إن لم يشعروا و لكن الاضطرار إليهايكذبهم في ذلك فإن الإنسان يفتقر إلى أخسالأشياء و أنقصها في الوجود و هو مكانالخلأ عند الحاجة يترك عبادة ربه بل لايجوز له في الشرع أداؤها و هو حاقن فيبادرإلى الخلأ و لا سيما إذا أفرطت الحاجة فيهو اضطرته بحيث تذهب بعقله ما يصدق متى يجدإليه سبيلا فإذا وصل إليه وجد الراحة عندهو ألقى إليه ما كان أقلقه فإذا وجد الراحةخرج من عنده و كأنه قط ما احتاج إليه و كفرنعمته و استقذره و ذمه و هذا هو كفربالنعمة و المنعم
الدين الخالص هو الدين المستخلص من أيدىربوبية الأكوان
و لما علم الله ما أودعه في خلقه و ما جعلفي الثقلين من الحاجة إلى ما أودع الله فيالموجودات و في الناس بعضهم لبعض قالفَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِفَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً أي لايشوبه فساد وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِرَبِّهِ أَحَداً أي لا يذل إلا لله لالغيره و أمر أن نعبده مُخْلِصِينَ لَهُالدِّينَ و قال أَلا لِلَّهِ الدِّينُالْخالِصُ و هو الدين المستخلص من أيديربوبية الأكوان فإذا لم ير شيئا سوى الله وأنه الواضع أسباب المضار و المنافع لجأإلى الله في دفع ما يضره و نيل ما ينفعه منغير تعيين سبب فهذا معنى الإخلاص
المخلصون- بفتح اللام- و المخلصون- بكسراللام-
و لا يصح وجود الإخلاص إلا من المخلصينبفتح اللام فإن الله إذا اعتنى بهماستخلصهم من ربوبية الأسباب التي ذكرناهافإذا استخلصهم كانوا مخلصين بكسر اللام وإنما أضاف إليهم الإخلاص ابتلاء ليرى هليحصل لهم امتنان بذلك على الحق أم لا و قدوجد في قوله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْأَسْلَمُوا فإن منوا بذلك وبخوا و نبهوابقوله بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْهَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْصادِقِينَ في دعواكم إنكم مؤمنون فعراهممن هذه الصفة أن تكون لهم كسبا
ينبغي للعاقل أن لا يأمن مكر الله فيإنعامه
فينبغي للعاقل أن لا يأمن مكر الله فيإنعامه فإن المكر فيه أخفى منه في البلاء وأدنى المكر فيه إن يرى نفسه مستحقا لتلكالنعمة و أنها من أجله خلقت فإن الله ليسبمحتاج إليها فهي لي بحكم الاستحقاق هذاأدنى المكر الذي تعطيه المعرفة و يسمىصاحبه عارفا في العامة و هو في العارفينجاهل إذ قد بينا فيما قبل إن الأشياء إنماخلقت له تعالى لتسبح بحمده و كان انتفاعنابها بحكم التبعية لا بالقصد الأول ففطرالعالم كله على تسبيحه بحمده و عبادته ودعا الثقلين إلى ذلك و عرف أن لذلك خلقهملا لأنفسهم و لا لشيء من المخلوقات مع مافي الوجود من وقوع الانتفاع بها بعضها منبعض و
قال تعالى في الحديث الغريب الصحيح من عملعملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء و هوللذي أشرك
فطلب من عباده إخلاص العمل له فمنهم منأخلصه له جملة واحدة فما أشرك في العملبحكم القصد فما قصد به إلا الله و لا أشركفي العمل نفسه بأنه الذي عمل بل عمله خلقلله فالأول عموم و الثاني خصوص و هو غايةالإخلاص و لا يصح إخلاص إلا مع عمل أعني فيعمل فإنه لا بد من شيء يكون مستخلصا