ذنبك فلم يذكرك إياه فإنك إن ذكرته أحصرتهبينك و بين الحق و هو قبيح الصورة فجعلتبينك و بين الحق صورة قبيحة تؤذن بالبعدفهذا فائدة النسيان لما قال الله لنبيهعليه الصلاة و السلام لِيَغْفِرَ لَكَالله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وَ ماتَأَخَّرَ لم يزل جبريل ينزل عليه في صورةدحية و كان أجمل أهل زمانه يقول له بصورةالحال يا محمد ما بيني و بينك إلا صورةالحسن و الجمال فإن جبريل كان بينه و بينالله و كان من جمال دحية إنه لما ورد إلىالمدينة و خرج الناس إليه نساء و رجالا فمارأته حامل إلا ألقت ما في بطنها لما أدركهافي نفسها مما رأته من حسن صورته فالله ينسىالتائبين من العارفين ذنوبهم السالفة ولهذا غفرت أي سترت عنهم و الستر على نوعينإما أن تستر عنهم جملة واحدة و إما أن تبدلبحسنة فتحسن صورة تلك السيئة بالتوبةفتظهر له حسنة كما قال يُبَدِّلُ اللهسَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ أي يرد قبحهاحسنا فمن تنبيهات الحق قوله تعالىفَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهسَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فإذا علموا ذلكأسرعوا في الرجعة إلى الله و سارعوا إليهافهذا قد أبنت لك معنى حال العلة عندالطائفة و ما تؤثر في الرجال
«بسم الله الرحمن الرحيم»
«الباب الثامن و مائتان في حال الانزعاج»
إذا انتبه القلب السليم من النوم
إلى طلب الأنس الذي قد أقامه
فيدعي بعبد و هو سيد وقته
فيفني به عنه ليبقى بربه
مع الحد للعهد الذي كان بينهم
و ذلكبرهان على كرم الود
تحركتحريك انزعاج من الوجد
فأول مايلقي التحقق بالزهد
و شتان ما بينالسيادة و العبد
نزيها عن الفصلالمقوم و الحد
و ذلكبرهان على كرم الود
و ذلكبرهان على كرم الود
الانزعاج حال انتباه القلب من سنة الغفلةو التحرك للانس و الوجد
اعلم أن الانزعاج عند الطائفة حال انتباهالقلب من سنة الغفلة و التحرك للانس والوجد فالانزعاج حكم العلة على هذا أيالعلة أورثته هذا الانزعاج و هو اندفاعالنفس من حال صح لها إلى أصلها الذي خرجتعنه لأنه من ذلك الأصل دعاها و الأصل طاهرفهو اندفاع بشهوة شديدة و قوة و لهذاالانزعاج أسباب مختلفة فمنهم من تزعجهالرغبة و منهم من تزعجه الرهبة و منهم منيزعجه التعظيم فأما انزعاجه للانس و الوجدفقد يكون فهما و قد يكون لقاء و قد يكونإلقاء و قد يكون تلقيا فمن ذلك ما يكون عنخاطر إلهي و عن خاطر ملكي و عن خاطر شيطانيو عن خاطر نفسي و لكن لا يكون لهذا الولي عنالنفس و الشيطان إلا بفهم يرزقه الله فيهعناية من الله لا إن الشيطان له عليه سلطانبل الشيطان في خدمته و هو لا يشعر و ساع بمايلقي إليه في سره في ارتقاء درجة هذا الوليمن حيث لا يعلم الشيطان و هذا من مكر اللهالخفي بإبليس لأنه يسعى في ترقي درجاتالعارفين من حيث يتخيل أنه ينزلهم عنها وإذا كان الأمر على هذا فلنقل إن حال العلةإذا تحقق في العبد أظهر في النفس انزعاجا ولا بد و انزعاجه أولا إنما هو ليفارق الحالالتي كان عليها لما كشف الله عن بصيرتهبالعلة فرأى نفسه في محل البعد فانزعجلذلك رغبة في مفارقة ذلك الموطن من غيرتعيين حضرة من حضرات القرب فإذا فارق ذلكالموطن بقدم واحدة و زال عن شهوده أخذ نفسهساعة و استراح و هو ما يجده المريد مناللذة و حلاوة التوبة التي تهون عليه ركوبالشدائد و تسهل عليه صعوبة طريقه يجد كلأحد هذا من نفسه في هذا الحال لا يقدر علىإنكاره فإذا فارق موطن المخالفة بانزعاجهو استراح حينئذ يتهدى على نفسه و يفتحعينيه و يعلم أنه قد تخلص مما كان فيهفحينئذ يقوم له ما يؤثر عنده الانزعاجإليه فأول الانزعاج أبدا في هذا الطريقإنما هو منه و في ثاني حال يظهر حكمالانزعاج إليه فإن أقيم له في أول نظرة مايستحقه جلال الله من التعظيم أو كان هذاالرجل ممن تقدم له العلم بالله من حيثالأدلة النظرية فيكون انزعاجه تعظيما للهلا رغبة فيما عنده بل ينزعج لأداء حق ماتعين عليه لله تعالى و ما تعطيه مرتبةالعبد من سيده فما هو مشغول بما ينعم عليهو يرغبه فيه من لذات نفسه بل يرى ما للهعليه من الحقوق فيجهد نفسه في أداء ذلك وهو قوله اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ