يجري في أحكامه بحسب الأحوال و المواطن ومن نعوت المحبين الكمد و هو أشد حزن القلبلا يجري معه دمع إلا أن صاحبه يكون كثيرالتأوه و التنهد و هو حزن يجده في نفسه لاعلى فائت و لا تقصير و هذا هو الحزنالمجهول الذي هو من نعوت المحبين ليس لهسبب إلا الحب خاصة و ليس له دواء إلا وصالالمحبوب فيفنيه شغله به عن الإحساس بالكمدو إن لم تقع الوصلة بالمحبوب اتصال ذواتفيكون المحبوب ممن يأمره فيشغله القيامبأوامره و فرحه بذلك عن الكمد فأكثر مايكون الكمد إذا لم يقع بينه و بين المحبوبما يشغله عن نفسه و ليس للمحب صفة تزول معالاشتغال غير الكمد و نعوت المحبة كثيرةجدا مثل الأسف الوله البهت الدهش الحيرةالغيرة و الخرس السقام القلق الخمودالبكاء التبريح و الوجد و السهاد و ما ذكرهالمحبون في أشعارهم من ذلك و كلامنا في هذاالباب ما يختص بحب الله لعباده و حب العبادلله لا غير ذلك فالله سبحانه قد ذكرا قوامابأنه يحبهم لصفة قامت بهم أحبهم لأجلهاكما سلب محبته عن قوم لصفات قامت بهم ذكرذلك في كتابه و عن لسان رسول الله (ص) انتهىالجزء الثالث عشر و مائة بانتهاء السفرالخامس عشر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
أن لله محبتين
فمن ذلك الاتباع لرسوله (ص) فيما شرع قالتعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَالله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهفاعلم إن لله محبتين أو تعلقين محبتهلعباده الذي هو خصوص إرادة التعلق الأولحبه إياهم ابتداء بذلك الحب وفقهم للاتباعاتباع رسله سلام الله على جميعهم ثم أنتجلهم ذلك الاتباع تعلقين من المحبة لأنالاتباع وقع من طريقين من جهة أداءالفرائض و التعلق الآخر من جهة ملازمةالنوافل
قال (ص) فيما يرويه عن ربه عز و جل أنه قالالحديث و فيه و ما تقرب إلى عبدي بشيء أحبإلي من أداء ما افترضته عليه و لا يزالعبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذاأحببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا
و إذا كان الحق سمع العبد و قواه فيالنوافل فكيف بالحب الذي يكون من الحق لهبأداء الفرائض و هو أن يكون الحق يريدبإرادة هذا العبد المجتبى و يجعل لهالتحكم في العالم بما شاء بمشيئته تعالىالأولية التعلق التي بها و فقه فاندرج هذاالتعلق في الأول و هو قوله وَ ما تَشاؤُنَإِلَّا أَنْ يَشاءَ الله و كل صفة ذكرهاالحق أنه يحب من أجلها من قامت به فما حصلتله تلك الصفة إلا بالاتباع فإن رسول الله(ص) سنها و ذلك عن الله فإنه ما يَنْطِقُعَنِ الْهَوى و إنه يفعل به و بنا فنفى أنيكون الفعل له و لنا كما يراه بعضهم و هوقوله ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لابِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحىإِلَيَّ وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌمُبِينٌ فهو قوله ما عَلَى الرَّسُولِإِلَّا الْبَلاغُ و معنى الاتباع أن نفعلما يقول لنا فإن قال اتبعوني في فعلياتبعناه و إن لم يقل فالذي يلزمنا الاتباعفيما يقول فينتج لنا الاتباع فيما أمرنابه و نهانا عنه و الوقوف عند حدوده أننتبعه في أفعاله في خلقه و هي المسماةكرامة و آية أي علامة على صدق الاتباع والرسل أيضا تابعون فإنه يقول (ع) إن أتبعإلا ما يوحى إلي فيكون ما يظهر عليه منالاتباع في فعل الله نتيجة اتباعه لأوامرالله آية و يكون لنا ذلك كرامة و هو الفعلبالهمة و التوجه من غير مباشرة فيظهر علىيد هذا العبد من خرق العوائد مما لا ينبغيأن يكون إلا على ذلك الوجه من غير سبب إلامجرد الإرادة إلا لله تعالى فإن ذلك الفعلإذا ظهر عن سبب موضوع ظاهر لم يكن من هذاالباب كطيران الطائر بسبب ظاهر و إن كان لايمسكه إلا الله أي الله الذي وضع له أسبابالإمساك في الهواء و الإنسان إذا اخترقالهواء و مشى فيه بمجرد الإرادة لا بسببظاهر معتاد أشبه فعل الحق في تكوينالأشياء بالإرادة فهذا الفارق بينه و بينوقوع ذلك بالأسباب و أصله التحقق بالاتباعو المتبع في التشريع إنما هو الله و المتبعفي الفعل بالإرادة إنما هو الله و الكلبعناية الله و مشيئته لا إِلهَ إِلَّاهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و من ذلك حبهسبحانه التوابين فالتواب صفته و من أسمائهتعالى يقول عز و جل أَنَّ الله هُوَالتَّوَّابُ فما أحب إلا اسمه و صفته و أحبالعبد لاتصافه بها و لكن إذا اتصف بها علىحد ما أضافها الحق إليه و ذلك أن الحق يرجععلى عبده في كل حال يكون العبد عليه ممايبعده من الله و هو المسمى ذنبا و معصية ومخالفة فإذا أقيم العبد في حق من