و ما يعرف الناظر مقصد المتكلم بها منها
العلوم الوهبي يشبه بالحوض
و اعلم أن هذه العلوم إذا أعطاها اللهالعبد في غير صورها و أعلمه ما أراد بهافوقف على عينها من تلك الصورة في تلكالصورة فهو المشبه بالحوض لأنه يدرك الماءو يدرك الكدر الذي في قعر الحوض و يلبسالماء و لا بد في ناظر العين لون ذلك الكدرحمرة كان أو صفرة أو ما كان من الألوانفتبصر الماء أحمر أو أصفر و غير ذلك منالألوان و لهذا قال الجنيد و قد سئل عنالمعرفة و العارف فقال لون الماء لونإنائه و لما قبل الماء هذا اللون صار فيالعين مركبا من متلون و لون و هو في نفسالأمر شيء آخر فيعلم الماء و يعلم أن ذلكلون الوعاء كذلك التجليات في المظاهرالإلهية حيث كانت فأما العارف فيدركهادائما و التجلي له دائم و الفرقان عندهدائم فيعرف من تجلى و لما ذا تجلى و يختصالحق دون العالم بكيف تجلى لا يعلمه غيرالله لا ملك و لا نبي فإن ذلك من خصائص الحقلأن الذات مجهولة في الأصل فعلم كيفيةتجليها في المظاهر غير حاصل و لا مدرك لأحدمن خلق الله هذا هو العلم الذي لا ينتجغيره فهو منقطع النسل لا عقب له و ما عداهذا من العلوم فقد يكون العلم بالنظر فيهينتج علما آخر و لا يكون إلا هكذا و هوالأكثر بل هو الذي بأيدي الناس فإنالمقدمات إن لم يحصل لك العلم بها و بماينتج منها مما لا ينتج و بالسبب الرابطبينهما فبعد حصول هذا العلم ينتج لك العلمبما أعطاه هذا التركيب الخاص و هو التناسلالذي يكون في العلوم بمنزلة التناسل الذييكون في النبات و الحيوان و هذا هو تناسلالمعاني و لهذا قبلت المعاني الصورالجسدية لأن الأجسام محل التوالد فإن قلتفالذي يكون من العلوم لا ينتج فكان ينبغيأن لا يقبل الصورة قلنا إنما قبل الصورة منكونه نتيجة عن منتج و نتاج و هو في نفسهعقيم لا ينتج أصلا كالعقيم الذي يكون فيالحيوان مع كونه متولدا من غيره و لكن لايولد له لأنه على صفة قامت به تقتضي له ذلكو لذلك جاء الحق في تنزيه نفسه عن الأمرينفقال لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ و هذاتنزيه الذات فلا تتعلق و لا يتعلق بها والنتاج إنما وقع و ظهر في المرتبة فطلبالرب المربوب و القادر المقدور فإن قلتفإذا كان الأمر على ما ذكرت في لَمْ يَلِدْوَ لَمْ يُولَدْ فكانت المظاهر تبطل و هيموجودة فما جوابك قلنا المظاهر للمرتبة لاللذات فلا يعبد إلا من كونه إلها و لايتخلق بأسمائه و هي عين العبادة له إلا منكونه إلها و لا يفهم من مظاهره في مظاهرهإلا كونه إلها فاعلم ذلك و لو كانت المظاهرتظهرها الذات من كونها ذاتا علمت و لو علمتأحيط بها و لو أحيط بها حدت و لو حدت انحصرتو لو انحصرت ملكت و ذات الحق تتعالى علواكبيرا عن هذا كله فعلمنا أنه ليس بين الذاتو بين هذه المظاهر نسبة يتعلق العلم بها منحيث نسبة المظهر إليها أصلا و إذا لم يحصلمثل هذا العلم في نفوس العلماء بالله وتعالى عن ذلك فأبعد و أبعد أن تعلم نسبةالذات إلى المظاهر فإن قلت إن النسبةواحدة و لكن لها طرفان من حيث الذات طرف ومن حيث المظهر طرف قلنا ليس الأمر كما تظنفي إن النسبة واحدة بين المتضايفين فإننسبة الولد إلى الوالد نسبة بنوة و البنوةانفعال و نسبة الوالد إلى الولد نسبة أبوةو الأبوة فاعلية و أين أن يفعل من أن ينفعلهيهات فليست النسبة واحدة و لا لها طرفانأصلا فإنها غير معقولة الانقسام أعني هذهالنسبة الخاصة و هو الطرف الذي جعلته أنتللنسبة بخيالك فذلك الطرف هو النسبة التيتذكر إذ الطرفان للشيء الموصوف بهمايؤذنان بقسمته و المعنى لا ينقسم فإنه غيرمركب و الذي ينتجه هذا العلم المشبهبالحياض مناجاة الحق من جهة الصدر و هومناجاتك إياه في صدورك عنه حين أمركبالخروج إلى عباده بالتبليغ إن كنت رسولاو بالتثبيت إن كنت وارثا و هذه المناجاة لاتكون منه إليك إلا فيك لا في غيرك فمنكتعرفه لا من غيرك لأنك الحجاب الأقرب والستر المسدل عليه و من كونك سترا و حجاباحددته فمعرفتك به في هذا الموطن عين عجزكعن معرفته و إن شئت قلت عين الجهل به و نريدبالجهل عدم
العلم و أما الغير فحجاب أبعد بالنظر إليكفإن الله ما وصف نفسه إلا بالقرب إليك وهكذا قربه من غيرك إلى ذلك الغير كقربهإليك فوصفه بالقرب إليك أبعد بالنظر إلىغيرك إذا أراد العلم به منك كما أنت إذاأردت العلم به من غيرك قال تعالى وَ نَحْنُأَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِفأثبت قربه إلى الأشياء و نفى العلمبكيفية قربه من الأشياء بقوله تعالى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ فعم البصيرة و البصرإذ كان إدراك البصر في الباطن يسمى بصيرة والذات واحدة و اختلف عليها المواطن فسمىفي إدراك المحسوس بصرا و في إدراك المعانيبصيرة فالمدرك واحد العين فيهما و لما كانعلى الحوض الذي يكون في