العطايا تختلف باختلاف المستحقين فمنهممن يكون عطاؤه هو و منهم من يكون عطاؤهمعرفته بنفسه و منهم من يكون عطاؤه ما هومنه فإن كان المستحق يقول بالاستحقاقالذاتي فلا يلزمه إلا شكر إيجاد العين حيثكان مظهرا له جل و تعالى و إن كان يقولبالاستحقاق العرضي و هو يرى أنه تعالى جعلله استحقاقا فهذا يتضاعف عليه الشكر فإنهدون الأول في المرتبة و إن كان المستحق يرىالاستحقاق للظاهر في مظهر ما من حيث ما هوظاهر لذلك المظهر و لا يرى أن عينه تستحقشيئا فهذا لا يجب عليه شكر إلا إن أوجبهعلى نفسه كإيجاب الحق على نفسه في مثل قولهكَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِالرَّحْمَةَ فتتوزع العطايا على مقاديرمن توزع عليهم في العلم و العمل و الحال والزمان و المكان و القصد و ملازمة العمل ومغبته قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍمَشْرَبَهُمْ قال فرعون لموسى و هارونفَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى قالَرَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍخَلْقَهُ و هو الذي يستحقه فالرب هوالقاسم العطايا
(السؤال الثاني و الثمانون) كم أجزاءالنبوة
الجواب أجزاء النبوة على قدر آي الكتبالمنزلة و الصحف و الأخبار الإلهية منالعدد الموضوع في العالم من آدم إلى آخرنبي يموت مما وصل إلينا و مما لم يصل على أنالقرآن يجمع ذلك كله
فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول فيمنحفظ القرآن إن النبوة أدرجت بين جنبيه
فهي و إن كانت مجموعة في القرآن فهي مفصلةمعينة في آي الكتب المنزلة مفسرة في الصحفمتميزة في الأخبار الإلهية الخارجة عنقبيل الصحف و الكتب و يجمع النبوة كلها أمالكتاب و مفاتحها بِسْمِ الله الرَّحْمنِالرَّحِيمِ
كلمات الله لا تنقطع و هي الغذاء العاملجميع الموجودات
فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق وإن كان التشريع قد انقطع فالتشريع جزء منأجزاء النبوة فإنه يستحيل أن ينقطع خبرالله و أخباره من العالم إذ لو انقطع لميبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجودهقُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداًلِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُقَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً و لَوْأَنَّ ما في الْأَرْضِ من شَجَرَةٍأَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ منبَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْكَلِماتُ الله و قد أخبر الله أنه ما منشيء يريد إيجاده إلا يقول له كن فهذهكلمات الله لا تنقطع و هي الغذاء العالملجميع الموجودات فهذا جزء واحد من أجزاءالنبوة لا ينفد فأين أنت من باقي الأجزاءالتي لها
(السؤال الثالث و الثمانون) ما النبوة
الجواب النبوة منزلة يعينها رفيع الدرجاتذو العرش ينزلها العبد بأخلاق صالحة وأعمال مشكورة حسنة في العامة تعرفهاالقلوب و لا تنكرها النفوس و تدل عليهاالعقول و توافق الأغراض و تزيل الأمراضفإذا وصلوا إلى هذه المنزلة فتلك منزلةالإنباء الإلهي المطلق لكل من حصل في تلكالمنزلة من رفيع الدرجات ذي العرش
نبوة التشريع
فإن نظر الحق من هذا الواصل إلى تلكالمنزلة نظر استنابة و خلافة ألقى الروحبالأنباء من أمره على قلب ذلك الخليفةالمعتنى به فتلك نبوة التشريع قال تعالىوَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاًمن أَمْرِنا و قال يُنَزِّلُالْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ من أَمْرِهِعَلى من يَشاءُ من عِبادِهِ فهي عامة لأنمن نكرة أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَإِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ نبوة خاصة نبوةتشريع يُلْقِي الرُّوحَ من أَمْرِهِعَلى من يَشاءُ من عِبادِهِ مثل ذلكلِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْبارِزُونَ نبوة تشريع لا نبوة عموم نَزَلَبه الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَلِتَكُونَ من الْمُنْذِرِينَ فالإنذارمقرون أبدا بنبوة التشريع و لهذه النبوةهي تلك الأجزاء التي سأل عنها و التي وردتفي الأخبار
النبوة العامة
و أما النبوة العامة فاجزاؤها لا تنحصر ولا يضبطها عدد فإنها غير مؤقتة لهاالاستمرار دائما دنيا و آخرة و هذه مسألةأغفلها أهل طريقنا فلا أدري عن قصد منهمكان ذلك أو لم يوقفهم الله عليها أو ذكروهاو ما وصل ذلك الذكر إلينا و الله أعلم بماهو الأمر عليه و لقد حدثني أبو البدرالتماشكي البغدادي رحمه الله عن الشيخبشير من ساداتنا بباب الأزج عن إمام العصرعبد القادر أنه قال معاشر الأنبياء أوتيتماللقب و أوتينا ما لم تؤتوا فأما قولهأوتيتم اللقب أي حجر علينا إطلاق لفظالنبي و إن كانت النبوة العامة سارية فيأكابر الرجال و أما قوله و أوتينا ما لمتؤتوا هو معنى قول الخضر الذي شهد اللهتعالى بعدالته و تقدمه في العلم و أتعبالكليم المصطفى المقرب موسى عليه السلامفي طلبه مع العلم بأن العلماء يرون أن موسىأفضل من الخضر
فقال له يا موسى أنا على علم علمنيه اللهلا تعلمه أنت
فهذا عين معنى قوله أوتينا ما لم تؤتوا وإن أراد رضي الله عنه بالأنبياء