(بسم الله الرحمن الرحيم)
الباب الثامن و الثمانون و مائة في معرفةمقام الرؤيا و هي المبشرات
بالصدق رؤيا الرجال الصادقين و من
الصدق بالعدوة القصوى منازله
هي النبوة إلا أنها قصرت
إني رأيت سيوفا للهوى انتضيت
فما تركت لها عينا و لا أثرا
بذلك السيففي الأخرى و في الدنيا
يصاحب الضد لم تصدق له رؤيا
و ضده ضدهبالعدوة الدنيا
عن نسخ شرع وهذي رتبة عليا
و في يمينيسيف للهوى دنيا
بذلك السيففي الأخرى و في الدنيا
بذلك السيففي الأخرى و في الدنيا
أن للإنسان حالتين حالة النوم و حالةاليقظة
اعلم أيدك الله أن للإنسان حالتين حالةتسمى النوم و حالة تسمى اليقظة و في كلتاالحالتين قد جعل الله له إدراكا يدرك بهالأشياء تسمى تلك الإدراكات في اليقظة حساو تسمى في النوم حسا مشتركا فكل شيءتبصره في اليقظة يسمى رؤية و كل ما تبصرهفي النوم يسمى رؤيا مقصورا و جميع ما يدركهالإنسان في النوم هو مما ضبطه الخيال فيحال اليقظة من الحواس و هو على نوعين إماما أدرك صورته في الحس و إما ما أدرك أجزاءصورته التي أدركها في النوم بالحس لا بد منذلك فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصلخلقته فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر الذيفقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصلخلقته فلا يدركه في النوم أبدا فالأصلالحس و الإدراك به في اليقظة و الخيال تبعفي ذلك و قد يتقوى الأمر على بعض الناسفيدركون في اليقظة ما كانوا يدركونه فيالنوم و ذلك نادر و هو لأهل هذا الطريق مننبي و ولي هكذا عرفناه فإذا علمت هذا
خطاب الله تعالى أو كلام الله تعالىأنبيائه في حالة النوم أو اليقظة
فاعلم أيضا أن النبوة خطاب الله تعالى أوكلام الله تعالى كيفما شئت قلت لمن شاء منعباده في هاتين الحالتين من يقظة و منام وهذا الخطاب الإلهي المسمى نبوة على ثلاثةأنواع نوع يسمى وحيا و نوع يسمعه كلامه منوَراءِ حِجابٍ و نوع بوساطة رسول فيوحيذلك الرسول من ملك أو بشر بإذن الله مايشاء لمن أرسله إليه و هو كلام الله إذ كانهذا الرسول إنما يترجم عن الله كما قالتعالى وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْيُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ منوَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًافالوحي منه ما يلقيه إلى قلوب عباده من غيرواسطة فأسمعهم في قلوبهم حديثا لا يكيفسماعه و لا يأخذه حد و لا يصوره خيال و معهذا يعقله و لا يدري كيف جاء و لا من أينجاء و لا ما سببه و قد يكلمه من وراء حجابصورة ما يكلمه به و قد يكون الحجاب بشريتهو قد يكون الحجاب كما كلم موسى منالشَّجَرَةِ... من جانِبِ الطُّورِالْأَيْمَنِ له لأنه لو كلمه من الأيسرالذي هو جهة قلبه ربما التبس عليه بكلامنفسه فجاءه الكلام من الجانب الذي لم تجرالعادة أن تكلمه نفسه منه و قد يكلمهبوساطة رسول من ملك كقوله نَزَلَ بهالرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَيعني بالقرآن الذي هو كلام الله و قد يكونبوساطة بشر و هو قوله فَأَجِرْهُ حَتَّىيَسْمَعَ كَلامَ الله فأضاف الكلام إلىالله و ما سمعته الصحابة و لا هذا الأعرابيإلا من لسان رسول الله (ص) و ليست النبوةبأمر زائد على الإخبار الإلهي بهذهالأقسام و القرآن خبر الله و هو النبوةكلها لأنه الجامع لجميع ما أراد الله أنيخبر به عباده و
صح في الحديث أنه من حفظ القرآن فقد أدرجتالنبوة بين جنبيه
فإذا تقرر ما ذكرناه
أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة
فاعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة و هيلا تكون إلا في حال النوم
قالت عائشة في الحديث الصحيح أول مابديء به رسول الله (ص) من الوحي الرؤياالصادقة
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح وسبب ذلك صدقه (ص)
فإنه ثبت عنه أنه قال أصدقكم رؤيا أصدقكمحديثا
فكان لا يحدث أحدا (ص) بحديث عن تزويريزوره في نفسه بل يتحدث بما يدركه بإحدىقواه الحسية أو بكلها ما كان يحدث بالغرض ولا يقول ما لم يكن و لا ينطق في اليقظة عنشيء يصوره في خياله مما لم ير لتلكالصورة بجملتها عينا في الحس فهذا سبب صدقرؤياه و إنما بديء الوحي بالرؤيا دونالحس لأن المعاني المعقولة أقرب إلىالخيال منها إلى الحس لأن الحس طرف أدنى والمعنى طرف أعلى و ألطف و الخيال بينهما والوحي معنى فإذا أراد المعنى أن ينزل إلىالحس فلا بد أن يعبر على حضرة الخيال قبلوصوله إلى الحس و الخيال من حقيقته أن