النفوس ذلك لشرف العلم فيتخيل أنه يطلبهلله و هو يطلبه للدنيا أو لغير الله فيجتنبنية ذلك الطلب لا يجتنب العلم فإن طلبالعلم ليس بمحرم عليه فمتعلق التحريم تلكالنية الفاسدة
الكون كله شبهة فإنك لا تعرف منه إلاأنت
و هنا نظر هل تقدح تلك النية في فضل طلبالعلم أو يبقى طلب العلم على فضله يعطيحقيقة سعادته في الآخرة و تكون العقوبةعلى مجرد النية في ذلك و هو الذي نعتمدعليه في باب تحقيق الموازنة الإلهية فمنقال الكون كله شبهة و به نقول فليس ذلك كمايتوهمه السامع و إنما الصورة الرحمانيةأدتنا إلى هذا القول و مثل ذلك لا يتورعفيه و لا يجتنب فإنك لا تعرف منه إلا أنتفإن انتقلت عنك فقد جهلت ذاتك و من أوجدكفإنه
قال من عرف نفسه عرف ربه
فالورع في هذه الشبهة محال بل ينبغي أنتتناول من حيث إنها شبهة فذلك محلها الذييحلها فإنها لا تخلص لأحد الطرفين أبدا وهذا بحر هلك فيه أكثر العقول و أكثرالعارفين إلا من رحم الله و ركب سفينة نوحنجاته
الورع اجتناب كل عمل و ترك لا يكون للهعلى الحد المشروع
و الجامع لباب الورع أن تجتنب في ظاهرك وباطنك و جميع أعمال أعضائك المكلفة كل عملو ترك لا يكون لله على الحد المشروع فيهالمخلص له الذي لا شبهة تضره و لا تقدح فيهفهذا اللام الذي في لله هي الرابطة لهذاالباب و كل مقام في طريق الله تعالى فهومكتسب ثابت و كل حال فهو موهوب غير مكتسبغير ثابت إنما هو مثل بارق برق فإذا برقإما يزول لنقيضه و إما أن تتوالى أمثالهفإن توالت أمثاله فصاحبه خاسر
كل مقام هو إما إلهى أو رباني أو رحماني
و كل مقام فأما إلهي أو رباني أو رحمانيغير هذه الثلاث الحضرات لا يكون و هي تعمجميع الحضرات و عليها يدور الوجود و بهاتنزلت الكتب و إليها ترتقي المعارج والمهيمن عليها ثلاثة أسماء إلهية الله والرب و الرحمن من حكم اسم ما من الأسماءالإلهية ينعت به في ذلك الوقت أحد هذهالأسماء الثلاثة و يكون حكمه بحسب مقامهذا العبد المحكوم عليه المؤثر فيه من حيثما هو مسلم أو مؤمن أو محسن و آثاره في عالمملك العبد أو في عالم جبروته أو في عالمملكوته و عمله فيه إما بحكم الإطلاق و هوالعمل الذاتي و إما بحكم التقييد و هو عملالصفة و حكمه بعمل الصفة إما بصفة تنزيه وسلب و إما بصفة فعل هذا هو الضابط للمقاماتو أحوالها سواء عرفه السالك أو لم يعرفهفإنه لا يخلو من هذه الأحكام كل كون لكنهلا يعرف ذلك كل أحد
الجانب الإلهي في مقام الورع
فأقول إن الورع له مقام و لمقامه حال و هومشروط كما ذكرنا و ينتهي بانتهاء التكليففأما مقام الورع فهو التقييد بصفة التنزيهلأن حقيقته الاجتناب و هو إلا هي و صاحبهمجهول لا يعرف و حاله أن يكون صاحب علامةفي نفسه أو في المتورع فيه و الاسم اللهينظر إليه دائما فينظر إليه في عالم ملكهمن حيث ما هو مسلم فيؤثر في أفعاله و كلماظهر على جوارحه فيجتنب كل ما يقدح في حصولهذا المقام و ينظر إليه في عالم جبروته منحيث ما هو مؤمن فيؤثر فيه فلا تكذب له رؤياجملة واحدة و يجتنب في خياله كما يجتنب فيظاهره لأن الخيال تابع للحس و لهذا إذااحتلم المريد برؤيا عاقبه شيخه أ لا ترىأنه ما احتلم نبي قط و لا ينبغي له ذلك و لاالعارفون بالله ذوقا فإن الاحتلام برؤيافي النوم أو في التصور في اليقظة فإنما هومن بقية طبيعية في خياله و هو كذب فإنه يظنأنه في الحس الظاهر و قد قلنا إن الورعيجتنب الكذب فلو اجتنبه في الحس لأثر فيخياله فإذا رأيتم صاحب مقام الورع يغتسلمن نوم فذلك لماء خرج منه و هو نائم لضعفالأعضاء الباطنة و هو مرض طرأ في مزاجه لاعن رؤيا أصلا لا في حلال و لا في حرام و أماإذا نظر إليه في عالم ملكوته فأثره فيهاجتناب التأويل فيما يرد عليه منالمخاطبات الإلهية و التجلي الإلهي إذاكان كل ذلك في السور فلا يعبر ما رآه و لايتأول ما خوطب به فإنه كله إلهي و كل إلهيمجهول كما أن الورعين مجهولون لأنه اجتنابو ترك و لا يتميز الأمر من خارج إلا بالفعلفإن نطق الورع بما ينبغي أن يجتنب ذلكالأمر و لأجله اجتنبه فقد أخل بمقام الورعفإن مقامه أن يكون مجهولا و قد عرف بأنهورع فزال عنه حكم مقامه بل ما كان قط فيمقام الورع و ورعه في اجتنابه معلول فلايسلم له
الجانب الرباني و الرحمانى في مقامالورع
و أما الرباني و الرحماني فعلى هذا المجرىسواء فخذه و اعمل عليه ترى عجبا فقل أنتجده في غير هذا الكتاب فإن أكثر الناس بلربما كلهم ما أبانوا عن هذه المقامات والأحوال بما يعطيه تفصيل الوجود و إنكانوا يعرفونها فإنهم اتكلوا في ذلك علىأن السالك إذا دخل و صدق في التوجه أبينتله الأمور على ما هي عليه فيعرف حاله
الباب الثاني و التسعون في معرفة مقامترك الورع
شفعية الإنسان تؤذن بالورع
و الوترفيها موجب ترك الورع
و الوترفيها موجب ترك الورع
و الوترفيها موجب ترك الورع