و هو روح الحق في قوله فَإِذا سَوَّيْتُهُوَ نَفَخْتُ فِيهِ من رُوحِي و هو عين هذاالنفس قبلته تلك الصورة و اختلف قبولالصور بحسب الاستعداد فإن كانت الصورةعنصرية و اشتعلت فتيلتها بذلك النفس سميتحيوانا عند ذلك الاشتعال و إن لم يظهر لهااشتعال و ظهر لها في العين حركة و هيعنصرية سميت نباتا و إن لم يظهر لها اشتعالو لا حركة أعني في الحس و هي عنصرية سميتمعدنا و جمادا فإن كانت الصورة منفعلة عنحركة فلكية سميت ركنا و هي على أربع مراتبثم انفعلت عن هذه الأركان صورة مسواةمعدلة سميت سماء و هي على سبع طبقات فوجهالرحمن عز و جل نفسه على هذه الصور فحييتحياة لا يدركها الحس و لا ينكرها الايمان ولا النفس و لذلك لم يقبل الاشتعال فكل موضعكان في هذه السموات قبل الاشتعال سمي نجمافظهرت النجوم و تحركت أفلاكها بها فكانتكالحيوان فيما اشتعل منها و كالنبات فيماتحرك منها و إن كانت الصورة عن حركة معنويةو قوة عملية و توجه نفسي سميت جسما كلا وعرشا و كرسيا و فلكا فلك برج و فلك منازل وتوجه الرحمن بنفسه على هذه الصور فما قبلمنها الاشتعال سمي نجوما و هي له كالحدق فيوجه الإنسان و ما لم يقبل الاشتعال سميفلكا فإن كانت الصورة عقلية انبعثتانبعاثا ذاتيا عن عقل مجرد تطلبباستعدادها ما تحمله توجه الرحمن عليهاعند تسويتها التي سواها ربها بنفسه فمااشتعل منها سمي نور علم و ما تحرك منها و لميشتعل سمي عملا و الذات الحاملة لهاتينالقوتين نفسا فإن كانت الصورة الإلهية فلاتخلو إما أن تكون جامعة فهي صورة الإنسانأو غير جامعة فهي صورة العقل فإذا سوى الربالصورة العقلية بأمره و صور الصورةالإنسانية بيديه توجه عليهما الرحمنبنفسه فنفخ فيهما روحا من أمره فأما صورةالعقل فحملت في تلك النفخة بجميع علومالكون إلى يوم القيامة و جعلها أصلا لوجودالعالم و أعطاه الأولية في الوجودالإمكانى و أما صورة الإنسان الأولالمخلوق باليدين فحمل في تلك النفخة علمالأسماء الإلهية و لم يحملها صورة العقلفخرج على صورة الحق و فيه انتهى حكم النفسإذ لا أكمل من صورة الحق و دار العالم و ظهرالوجود الإمكانى بين نور و ظلمة و طبيعة وروح و غيب و شهادة و ستر و كشف فما ولي منجميع ما ذكرناه الوجود المحض كان نورا وروحا و ما ولي من جميع ما ذكرناه العدمالمحض كان ظلمة و جسما و بالمجموع يكونصورة فإن نظرت العالم من نفس الرحمن قلتليس إلا الله و إن نظرت في العالم من حيث ماهو مسوى و معدل قلت المخلوقات وَ مارَمَيْتَ من كونك خلقا إِذْ رَمَيْتَ منكونك حقا وَ لكِنَّ الله رَمى لأنه الحقفبالنفس كان العالم كله متنفسا و النفسأظهره و هو للحق باطن و للخلق ظاهر فباطنالحق ظاهر الخلق و باطن الخلق ظاهر الحق وبالمجموع تحقق الكون و بترك المجموع قيلحق و خلق فالحق للوجود المحض و الخلقللإمكان المحض فما ينعدم من العالم و يذهبمن صورته فمما يلي جانب العدم و ما يبقىمنه و لا يصح فيه عدم فمما يلي جانب الوجودو لا يزال الأمران حاكمين على العالمدائما فالخلق جديد في كل نفس دنيا و آخرةفنفس الرحمن لا يزال متوجها و الطبيعة لاتزال تتكون صورا لهذا النفس حتى لا يتعطلالأمر الإلهي إذ لا يصح التعطيل فصور تحدثو صور تظهر بحسب الاستعدادات لقبول النفسو هذا أبين ما يمكن في إبداع العالم وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِيالسَّبِيلَ
(الفصل الثاني عشر) من هذا الباب في الاسمالإلهي الباعث و توجهه على إيجاد اللوحالمحفوظ
و هو النفس الكلية و هو الروح المنفوخ منهفي الصور المسواة بعد كمال تعديلها فيهبهاالله بذلك النفخ أية صورة شاء من قوله فيأَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ و توجههعلى إيجاد الهاء من الحروف و هاء الكناياتو توجهه على إيجاد البطين من المنازلالمقدرة
اعلم أن هذه النفس هي اللوح المحفوظ
و هو أول موجود انبعاثي و أول موجود و جدعند سبب و هو العقل الأول و هو موجود عنالأمر الإلهي و السبب فله وجه إلى الله خاصعن ذلك الوجه قبل الوجود و هو و كل موجود فيالعالم له ذلك الوجه سواء كان لوجوده سببمخلوق أو لم يكن
الأسباب إما خلقية و إما معنوية نسبية
و اعلم أن الأسباب منها خلقية و منهامعنوية نسبية فالأسباب الخلقية كوجودمخلوق ما على تقدم وجود مخلوق قبله له إلىوجوده نسبة ما بأي وجه كان إما بنسبة فعليةأو بنسبة بخاصية لا بد من ذلك و حينئذ يكونسببا و إلا فليس بسبب و قد يكون ذلك الأثرفي غير مخلوق كقوله أُجِيبُ دَعْوَةَالدَّاعِ فالسؤال سبب في وجود الإجابة كانالمجيب ما كان و من هذه الحقيقة نزل قولهتعالى ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ منرَبِّهِمْ مُحْدَثٍ