فيكون هذا التوحيد شكرا لما تفضل به اللهعلى الناس مع قوله لَخَلْقُ السَّماواتِوَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ من خَلْقِالنَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ أراد في المنزلة فإن الجرميعلمه كل أحد و لكن ما تفطن الناس لقولهتعالى أَكْبَرُ من خَلْقِ النَّاسِ منكونهم ناسا و لم يقل أكبر من آدم و لا منالخلفاء فإنه ما خلق على الصورة من كونه منالناس إذ لو كان كذلك لما فضل الناس بعضهمبعضا و لا فضلت الرسل بعضهم بعضا ففضلالصورة لا يقاومها فضل فقوله لَذُو فَضْلٍعَلَى النَّاسِ إذ كان الفاضل ممن له أيضاهذا الاسم و المراد بالفضل العام و الخاصفوحده بلسان العموم و الخصوص فظهر توحيدالفضل من حضرة الكرم و البذل
(التوحيد الثلاثون)
من نفس الرحمن هو قوله هُوَ الْحَيُّ لاإِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُمُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُلِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هذا توحيدالحياة و هو توحيد الكل و هو من توحيدالهوية الخالصة و الحياة شرط في كل متنفسفلهذا هذا العالم حي بما فيه من الأبخرةالصاعدة منه فتوحيد الحياة توحيد الكلفإنه ما ثم إلا حي فإنه ما ثم إلا الحق و هوالمسبح نفسه بما أعطى الرحمن في نفسه منالكلام الإلهي فقال سُبْحانَ رَبِّكَرَبِّ الْعِزَّةِ سُبْحانَ الَّذِيأَسْرى بِعَبْدِهِ فَسُبْحانَ اللهحِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ وما ثم إلا العالم و ما من شيء من العالمإلا و هو مسبح بحمده و لا ثناء أكمل منالثناء بالأحدية فإن فيها عدم المشاركةفالتوحيد أفضل ثناء و هو لا إله إلا اللهفلهذا قلنا إنه توحيد الحياة و توحيد الكلو هو إخلاص التوحيد لله من الله و منالعالم
(التوحيد الحادي و الثلاثون)
من نفس الرحمن هو قوله لا إِلهَ إِلَّاهُوَ يُحْيِي وَ يُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ هذا توحيدالبركة لأنه في السورة التي ذكر فيها أنهأنزله في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ و هيلَيْلَةُ الْقَدْرِ الموافقة ليلة النصفمن شعبان المخصوصة بالآجال و لهذا نعت هذاالتوحيد بأنه يُحْيِي وَ يُمِيتُ و هوقوله فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍحَكِيمٍ أي محكم فتظهر الحكم فيه التيجاءت بها الرسل الإلهيون و نطقت بها الكتبالإلهية رحمة بعباد الله عامة و خاصة فكلموجود يدركها و ما كل موجود يعلم من أينصدرت فهي عامة الحكم خاصة العلم إذ كانتالاستعدادات من القوابل مختلفة فأين نورالشمس من نور السراج في الإضاءة و مع هذافأخذ الشمس من السراج اسمه و افتقر إليه معكونه أضوأ منه و جعل نبيه في هذا المقامسراجا منيرا و به ضرب الله المثل في نورهالذي أنار به السموات و الأرض فمثل صفتهبصفة المصباح ثم ذكر ما أوقع به التشبيهمما ليس في الشمس من الإمداد و الاعتدال معوجود الاختلاف بذكر الشجرة من التشاجرالموجود في العالم لاختلاف الألسنة والألوان التي جعل الله فيها من الآيات فيخلقه و ذكر المشكاة و ما هي للشمس فلنورالسموات و الأرض الذي هو نور الله مشكاةيعرفها من وحده بهذا التوحيد المبارك الذيهو توحيد البركة و في هذه المشكاة مصباح وهو عين النور الذي تحفظه هذه المشكاة مناختلاف الأهواء و حكمها فيما يقع في السرجمن الحركة و الاضطراب و إذا تقوت الأهواءأدى إلى طفئ السرج كذلك يغيب الحق بينالمتنازعين و يخفى و يحصل فيه الحيرة لمانزلت ليلة القدر تلاحا رجلان فارتفعتفإنها لا تقبل التنازع و لما كانتالأنبياء لا تأتي إلا بالحق و هو النورالمبين لذلك
قال (ع) عند نبي لا ينبغي تنازع
فلا ينازع من عنده نور ثم إن لهذا المصباحالذي ضرب به المثل زجاجة فللنور الإلهيزجاجة يعرفك هذا التوحيد ما هي تلكالزجاجة و ليس ذلك للشمس و الزجاجة تشبهالكوكب الدري فإذا كان المحل الذي ظهر فيهالمصباح مشبه بالكوكب الدري الذي هو الشمسفكيف يكون قدر السراج في المنزلة و هو صاحبالمنزل ثم قال في هذا السراج إنهاسْتَوْقَدَ أي يتوقد و يضيء منشَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ فلا بدللنور الإلهي من حقيقة بها يقع التشبيهبالشجرة كما جاء في اختلاف الأسماءالإلهية من الضار النافع و المعز المذل والمحيي المميت و أسماء التقابل ثم إن هذهالشجرة لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍفوصفها بالاعتدال فلهذا كان السراجالمذكور الذي وقع به التشبيه هو السراجالذي في المشكاة و الزجاجة فيكون محفوظاعن الحركة و الاضطراب لكون الشجرة لاشرقية و لا غربية فهذا كله لا يوجد في غيرالسراج و لا بد أن يعتبر هذا كله في النورالإلهي
(التوحيد الثاني و الثلاثون)
من نفس الرحمن هو قوله فَاعْلَمْ أَنَّهُلا إِلهَ إِلَّا الله وَ اسْتَغْفِرْلِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَ الله يَعْلَمُمُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ هذا توحيدالذكرى و هو توحيد الله فاعلم أن الإنسانلما جبله الله على الغفلات رحمة به فيغفل