صاحب الذوق لا بد أن يرى لتركه طلب الدنياو الرغبة فيها أثرا إلهيا في قلبه فلو لميكن للأمر وجود عند الله و اعتبار ما صح أنيكون له أثر في التجلي الإلهي لصاحب هذاالحال و هو الصحيح
مقام الزهد و حاله و مستوياته
فلنقل إن للزهد الذي ذكرناه مقاما و حالافمقامه الإلهي مطلق و هو زهده في كل اسمإلهي يحول بينه و بين عبوديته و الربانيمقيد بصفة التنزيه عن حكم هذا الاسم عليه والرحماني هو صرفه على ما يستحقه أعني هذاالمزهود فيه فأما في الملك من كونه مسلمافالزهد في الأكوان و هو الحجاب الأبعدالأقصى و أما في الجبروت من كونه مؤمنافالزهد في نفسه و هو الحجاب الأدنى الأقربو أما في الملكوت من كونه محسنا فالزهد فيكل ما سوى الله و هنا يرتفع الحجاب عندالطائفة
مقولة أبي يزيد الأكبر في الزهد
قال أبو يزيد الأكبر ليس الزهد عندي بمقامإني كنت زاهدا ثلاثة أيام أول يوم زهدت فيالدنيا و اليوم الثاني زهدت في الآخرة واليوم الثالث زهدت في كل ما سوى اللهفناداني الحق ما ذا تريد فقلت أريد أن لاأريد لأني أنا المراد و أنت المريد و قدانتقد عليه هذا القول بعض أهل الطريق و جهلمقام أبي يزيد في ذلك و قد تكلمنا على قصدهبهذا القول و بينا فساد هذا القول أعني قولالمعترض عليه في غير هذا الموضع
متى ينبغي للعبد أن يزهد و متى ينبغي لهأن لا يزهد
و هو من المقامات المستصحبة للعبد ما لمينكشف له فإذا كشف الغطاء عن عين قلبه لميزهد و لا ينبغي له أن يزهد فإن العبد لايزهد فيما خلق له و لا يكون زاهدا إلا منيزهد فيما خلق من أجله و هذا لا يصح كونهفالزهد من القائل به جهل في عين الحقيقةلأنه ما ليس لي لا اتصف بالزهد فيه و ما هولي لا يمكنني الانفكاك عنه فأين الزهدفلنقل صاحب هذا الحكم هذا هو الزهد الذييستحق هذا الاسم و لنا في هذا المقامالزهدي نظم
العيب منك و أنت لا تدري
و سراج نفسك نوره متعلق
فأطف السراج يزول كل تعلق
شهي من غروب الشمس حتى تنتهي
بالحكم فيككمطلع الفجر
فالزهد مثلصلاتي الوتر
بجميع ما فيالكون من أمر
فالزهد فيككليلة القدر
بالحكم فيككمطلع الفجر
بالحكم فيككمطلع الفجر
يقول لو رأيت الحق لم تزهد فإن الله ما زهدفي الخلق و ما ثم تخلق إلا بالله فبمنتتخلق في الزهد انظر إلى هذا المعنى فإنهدقيق جدا
الباب الرابع و التسعون في ترك الزهد
الزهد ترك و ترك الترك معلوم
الأرض قبضته و هو الغني فأين
لا ينعم الحق بالنعما فأنت لها
فالزهد ليس له في العلم مرتبة
و تركهعند أهل الجمع مفروض
بأنه مسكما في الكف مقبوض
الترك فهومحال فيك مفروض
و قدزهدت فهذا اللفظ تعريض
و تركهعند أهل الجمع مفروض
و تركهعند أهل الجمع مفروض
ترك الزهد هو عين رجوعك إلى ما زهدت فيه
اعلم أن ترك الترك إمساك و الزهد ترك و تركالزهد ترك الترك فهو عين رجوعك إلى ما زهدتفيه لأن العلم الحق ردك إليه و الحال يطلبهفما له حقيقة في باطن الأمر لكن له حكم مافي الظاهر فيصح هذا القدر منه و بقي هل يقعالإمساك الذي هو ترك الزهد عن رغبة فيالممسوك أو لا عن رغبة فاختلفت أحوالالناس فيه
اختلاف أحوال الناس في ترك الزهد
فمن أمسك لا عن رغبة فهو زاهد أمين علىإمساك حقوق الغير حتى يؤديها إلى أربابهافي الأوقات المقدرة المقررة و قد يكون عنكشف و علم صحيح بأعيان أصحابها و قد لايكون غير أنه لا يتناول منها شيئا في حقنفسه إذ كان بهذه المثابة و من أمسك عنرغبة في الممسوك و هم رجلان الواحد راجع عنمقام الزهد بلا شك لمرض قام به في نفسهفهذا ليس بشيء و الرجل الآخر و همالأنبياء و الكمل من الأولياء فأمسكواباطلاع عرفاني أنتج لهم أمرا عشقه بما فيالإمساك من المعرفة و التحلي بالكمال لاعن بخل و ضعف يقين
أرسل الله على أيوب رجل جراد من ذهب فسقطعليه فأخذ يجمعه في ثوبه فأوحى الله إليه ألم أكن أغنيتك عن هذا فقال لا غنى لي عنخيرك
فانظر ما أعطته معرفته
ما زهد من زهد إلا لطلب الأكثر فزهد فيالأقل
و ما زهد من زهد إلا لطلب الأكثر فزهد فيالأقل قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌفأين الزهد فما تركوا الدنيا إلا حذرا أنيزرأهم في الآخرة فهذا عين الطمع و الرغبةفيما يتخيل فيه أنه زهد و هذا هو مقام تركالزهد و أما حاله فالزهد في الدنيا و لهذالا يثبت