عنهم فيها شيئا فيلجئون إلى الله في رفعهافمن تلك الحقيقة المستورة فيهم في حال لايكون فيه تحت اضطرار حسي من ذلك الوجهينالون هذه الأسرار و إن كانوا أشقياء فإننيلهم إياها مما يزيد في شقاوتهم حيثعرفوا من بيده الاقتدار و عدلوا عنه وعملوا لغيره مما نصبوه بأيديهم و أيدي منهو من جنسهم إلها و ظهر لهم عجزه و تمادواعلى غيهم كما قال تعالى في طُغْيانِهِمْيَعْمَهُونَ
أن بينة الله في عباده على قسمين
و اعلم أن بينة الله في عباده على قسمينالقسم الواحد هو البينة الحقيقية و هوقوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ عَلىبَيِّنَةٍ من رَبِّهِ يعني في نفسه و أمامن تقام له البينة في غيره فقد يمكن أنيقبلها و يمكن أن لا يقبلها و الذي يقبلهاإن قبلها تقليد أ لم تكن في حقه آية بينة ولا تنفعه و إنما يكون التقليد فيما يجيءبه الرسول من الأحكام لا من البينات والشواهد على صدقه و إن لم يقبلها تقليدافما قبلها إلا أن يكون هو عَلى بَيِّنَةٍمن رَبِّهِ في إن تلك آية بينة على صدقدعوى من ظهرت على يديه فيما ادعاه فعلمت منهذا أن الشيء لا ينفعك إلا إذا كان فيك ولا يضرك إلا إذا كان فيك و لهذا نقول فيكثير من كلامنا إن حقيقة العذاب هو وجودالألم فيك لا أسبابه سواء وقعت الأسبابفيك أو في غيرك فلا نقول في الأشياء إلا أنتقوم لك منك و أقلها أن يقوم بك التصديقبما يتحقق به أهل طريق لله بأنه حق و إن لمتذقه و لا تخالفهم فتكون على بينة من ربك ولا بد في كونهم صادقين و بتلك البينة التيأنت عليها توافقهم في ذلك فأنت منهم فيمشرب من مشاربهم فإنهم أيضا ممن يوافقبعضهم بعضا فيما يتحققون به في الوقت و إنكان لا يدرك هذا ذوقا ما أدركه صاحبه فيقرله به و يسلمه له و لا ينكره لارتفاعالتهمة و مجالسة هؤلاء الأقوام لغيرالمؤمن بهم خطر عظيم و خسران مبين كما قالبعض السادة و أظنه رويما من قعد معهم وخالفهم في شيء مما يتحققون به في سرائرهمنزع الله نور الايمان من قلبه فلا يزالالإنسان على الحالة التي هو عليها حتىيقوم له الشاهد بالخروج عنها فمن كان فيحالة الكتم كتم و من كان في حالة الإظهارأظهر و أفشى قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلىشاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْهُوَ أَهْدى سَبِيلًا من هؤلاء الفرقفالله يجعلنا و إياكم ممن هو عَلىبَيِّنَةٍ من رَبِّهِ فإن تلاه شاهد فحسنو مزيد طمأنينة و تقوية للنفس فيما هيبسبيله و إن لم يكن ذلك ففي كونه على بينةمن ربه كفاية فإن الشاهد إن لم يكن فيهالمشهود له على بينة أنه صادق فيما يشهد لهبه و إلا فلا يقبله في باطنه كالشاهد معصاحب الدعوى إذا كان في دعواه محقا فهو علىبينة في نفسه من ربه إنه صادق و لكن الحاكميطالبه بالشاهد فإذا شهد الشاهد له علمالمشهود له أنه صادق في شهادته ببينتهالتي هو عليها إنه على حق في دعواه و إن كانالمدعي ليس بصادق في دعواه فهو على بينة مننفسه و من ربه إنه غير صادق فبما ادعاهفإذا طلبه الحاكم بالشاهد فأتى بشاهد زورفشهد له أنه صادق في دعواه فالمدعي علىبينة من نفسه و من ربه إن ذلك الشاهد الذيشهد له زور و شهد بالباطل و لا يقبله فينفسه و إن قبله الحاكم فأول ما يتجرح شاهدالزور عند من شهد له بما يعلم المشهود لهأن الأمر على خلاف ما شهد له به فلهذا قلناإن الشاهد لا نلتزمه إذ كنا لا نقبله و لانتحقق صدقه و لا كذبه إلا حتى يكون في ذلكعلى بينة من الله فاعلم ذلك
البينة هو سفير من الله إلى قلبك
و اعلم بعد أن تقرر هذا أن الأمر الذي كنىعنه الحق بأنه بينة لك من عنده هو سفير منالله إلى قلبك من خفي غيوبه مختص بك منحضرة الخطاب الإلهي و التعريف من الله أنهمن عنده فخذ به و انظر ما يقبله فاقبله و مايدل عليه فاعتمد عليه و ما ينفيه فانفه كمايفعل صاحب الفكر في دليله غير إن صاحبالفكر قد يتخذ دليلا ما ليس بدليل في نفسالأمر و قد يتخذ دليلا ما هو دليل في نفسالأمر و لكن بالنظر إلى قوة العقل فقد أعطىما في قوته فلا يكون أبدا من حيث هو عقل إلاإن ذلك دليل و هو دليل و صاحب البينة من ربهعلى نور من الله و صراط مستقيم لا يعلمالأشياء بها إلا على ما تكون عليه الأشياءلا يقبل الشبه إلا شبها ذوقا من صورته لايتمكن له أن يلبس فيها عليه بخلاف أصحابالأفكار و الذي يعطيه هذا السفير منه مايعطيه ما هو مختص به و منه ما يعطيه ما هومطلوب له و لغيره و منه ما هو مطلوب لغيره ولا يعطيه ما ليس له و لا لغيره و مما يعطيهما هو له مقيم و ما ليس له بمقيم فالمقيمكالمقامات و غير المقيم كالأحوال ثم إنأصحاب هذا المقام يتفرقون فيه و يتنوعونعلى نوعين منهم من يعصم من تأثير هواه ومنهم من لا يعصم من تأثير هواه فيه مع أن كلواحد من الطائفتين على علم محقق فبينتهمالتي هم عليها أنه معصوم و أن هواه ليس لهعليه سبيل و أنه غير معصوم و أن هواه قد أثرفيه لما سبق في علم الله فيه و هل ينفعه هذاالعلم عند الله في سعادته