خطبه 151-فتنه هاى آينده
اقول:المداحر:جمع مدحر. و هى الامور التى بها يدحر:اى يطرد. و مخاتلها:محال غروره التى يخيل الى الناس بها و يوهمهم انها نافعه. و صدر هذا الفصل باستعانه الله تعالى على ما يدحر الشيطان و يزجر به و ذلك هو العبادات و الاعمال الصالحه المستلزمه لطرده و زجره و تطويعه، و على الاعتصام من حبائله و مخاتله. و هى الشهوات و اللذات الدنيويه، و استعار لها لفظ الحبايل و هى اشراك الصايد لمشابهتها اياها فى استلزام الحصول فيهما للبعد عن السلامه و الحصول فى العذاب، و من ممادح الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كونه نجيبا لله:اى مختارا، و روى نجيه. و صفوه له من خلقه لايوازى فضله:اى لايحصل مثله فى احد. اذ كان كماله فى قوتيه النظريه و العمليه غير مدرك لاحد من الخلق، و من كان كذلك لم يجبر فقده الا بقيام مثله من الناس، و اذ لا مثل له فيهم فلا جبران لفقده. و قوله:اضاءت به البلاد بعد الضلاله. اى ضلاله الكفر، و وصفها بالظلمه لعدم الاهتداء فيها للحق. و الوصف مستعار، و كذلك وصف الاضائه به مستعار لاهتداء الخلق به فى معاشهم و معادهم، و اسناد الاضائه الى البلاد مجاز. او الجهاله الغالبه على اكثر الخلق، و اراد الجهل بالطريقالى الله تعالى و بكيفيه نظام المعاش مما بينه هو و كشفه بشريعته. و الجفوه الجافيه يريد غلظه العرب و ما كانوا عليه من قساوه القلوب و سفك الدماء، و وصفها بما اشتق منها مبالغه و تاكيدا لها، و اراد الجفوه القويه. و الناس يستحلون الحريم الواو للحال و العامل اضاءت و يستذلون الحكيم، و ظاهر من عاده العرب الى الان استذلال من عقل منهم و حلم عن الغاره و النهب و اثاره الفتن، و استنهاضه بنسبته الى الجبن و الضعف. و يحيون على فتره:اى على حاله انقطاع الوحى و الرسل، و تلك حال انقطاع الخير و موت النفوس بداء الجهل.و البوائق:جمع بائقه، و هى الداهيه. و القتام بفتح القاف:الغبار. و العشوه بكسر العين:الامر على غير بيان و وضوح. و الفظاعه:تجاوز الامر الشديد الحد و المقدار. و السلام بالكسر:الحجاره الصم واحدها سلمه بكسر السين. و المريحه:المنتنه. و يتزايلون:يتفارقون. و نجومها:طلوعها. و اشرف لها:اى انتصب لدفعها. و التكادم:التعاض بادنى الفم. و العانه:القطيع من حمر الوحش. و المسحل:المبرد، و المسحل:حلقه تكون فى طرف شكيمه اللجام مدخله فى مثلها. و الوجدان:جمع واحد. و العبيط:الخالص الطرى. و يموتون على كفره و هى الفعله من الكفر لاهل كل قرن حيث لا هادى لهم. ثم اخذ عليه السلام فى انذار السامعين باقتراب حوادث الوقايع المستقبله التى يرمون بها كما يرمى الغرض بالسهام، و استعار لفظ الغرض لهم، و لما كانت الفتن الحادثه كتدمير قوم و اهلاكهم مثلا بحسب استعدادهم لذلك و كان اكبر الاسباب المعده له هى الغفله عن ذكر الله بالانهماك فى نعم الدنيا و لذاتها استعار للغفلات لفظ السكرات. ثم امر باتقائها، و حذر من دواهى النقمات بسبب كفران النعم. ثم امر بالتثبت او التبين على الروايتين عند اشتباه الامور عليهم و ظهور الشبهه المثيره
للفتن كشبهه قتل عثمان التى نشات منها وقايع الجمل و صفين و الخوارج، و استعار لفظ القتام لذلك الامر المشتبه، و وجه المشابهه كون ذلك الامر مما لايهتدى فيه خائضوه كما لايهتدى القائم فى القتام عند ظهوره و خوضه، و اعوجاج الفتنه اتيانها على غير وجهها، و لفظ الجنين يحتمل ان يكون حقيقه:اى عند طلوع ما اجتن منها و خفى عليكم، و كذلك كمينها:اى ما كمن منها و استتر، و يحتمل ان يكون استعاره، و عنى بقطبها من تدور عليه من البغاه المنافرين استعاره. و انتصابه:قيامه لذلك الامر، و كذلك استعار لفظ مدار الرحى لدورانها على من تدور عليه من انصار ذلك القطب و عسكره الذين تدور عليهم الفتنه. ثم اخبر انها تبدء فى مدارج خفيه، و اراد بالمدارج صدور من ينوى القيام فيها و يقصد (يعقد على خ) اثارتها، و كان هذا اشاره الى فتنه بنى اميه، و قد كان مبداها شبهه قتل عثمان، و لم يكن احد من الصحابه يتوهم خصوصيه هذه الفتنه و انما كانوا علموا من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم حدوث وقايع و فتن غير معينه الازمان، و لا من يثيرها و يكون قطبا لها. فخفاء مدارجها كتمان معاويه و طلحه و الزبير و غيرهم لامورهم و ما عزموا عليه من اقامه الفتنه و الطمع فى الملك و ا
لدوله حتى آل ذلك الطمع الى الامور القطعيه الواضحه بعد الخفاء، و استعار لفظ الشباب لقيامها و ظهورها فى الناس، و وجه المشابهه السرعه فى الظهور و لذلك اكدها بتشبيه ذلك الظهور بشباب الغلام:اى فى السرعه، و مع سرعتها لها آثار فى هدم الاسلام كاثار الحجاره الصلب فى الجلد، و وجه الشبه افسادها للبين و لنظام المسلمين كافساد الحجر ما يقع عليه بالرض و الكسر، و اشار بالظلمه التى يتوارثونها الى بنى اميه بعهد الاب لابنه الى آخرهم، و ذكر قود اولهم لاخرهم الى النار و الدخول فى الظلم و الضلاله و اثاره تلك الفتن، و استعار لفط القود لتهيئه الاول منهم اسباب الملك لمن بعده و اقتداء آخرهم باولهم فى ذلك، و ضمير المفعول فى يتوارثونها يرجع الى تلك الفتنه. ثم اشار الى صفه حالهم فى اثاره تلك الفتن و توارثها و هى المنافسه فى الدنيا الدنيه فى نظر العقلاء، و استعار لفظ التكالب لمجاذبه بعضهم لبعض عليها كالمجاذبه بين الكلاب على الميته. و استعار لها لفظ الجيفه، و رشح بذكر المريحه للتنفير عنها، و وجهها كونها مستلزمه لاذى طالبها مهروبا منها العقلاء كالهرب من الجيفه المنتنه و الانزواء عنها. ثم اخبر بانقضائها عن قليل، و كنى عن ذلك بتبرء التابع م
ن المتبوع و القايد من المقود:اى يتبرء كل من الفريقين من الاخر كما قال تعالى اذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا. و قوله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا و ذلك التبرء قيل عند ظهور الدوله العباسيه فان العاده جاريه بتبرء الناس من الولاه المعزولين خصوصا عند الخوف ممن تولى عزل اولئك او قتلهم فيتباينون بالبغضاء اذ لم تكن الفتهم و محبتهم الا لغرض دنياوى زال، و يتلاعنون عند اللقاء. و قيل ذلك يوم القيامه. قوله:و عن قليل. الى قوله:عند اللقاء. جمله اعتراضيه موكد بها معنى تعجبه منهم فكانه قال:انهم على تكالبهم عليها عن قليل يتبرء بعضهم من بعض، و ذلك ادعى لهم الى ترك التكالب عليها. و قوله:ثم ياتى بعد ذلك طالع الفتنه الرجوف، و كان هذه الفته هى فتنه التتار اذ الدائره فيها على العرب. و قال بعض الشارجين:بل ذلك اشاره الى الملحمه الكائنه فى آخر الزمان كفتنه الدجال، و كنى عن اهوالها و اضطراب امر الاسلام فيها بكونها رجوفا:اى كثيره الرجف، و طالعها مقدماتها و اوائلها، و كنى بقصمها عن اهلاك الخلق فيها، و استعار لها لفظ الزحوف ملاحظه لشبهها بالرجل الشجاع كثير الزحف فى الحرب الى اقرانه:اى يمشى اليهم قدما. ثم شرع فى
بيان افعال تلك الفتنه بالناس من ازاغه قلوب قوم عن سبيل الله تعالى بعد استقامتها عليه، و ضلال رجال:اى هلاكهم فى الاخره بالمعاصى بعد سلامه منها، و اختلاف الاهواء عن اراده الله بهجومها، و التباس الاراء الصحيحه بالفساده عند ظهورها على الناس فلايعرفون وجه المصلحه من غيره، و من يطلع الى مقاومتها و سعى فى دفعها هلك، و استعار لفظ التكادم اما لمغالبه مشيرى هذه الفتنه بعضهم لبعض او مغالبتهم لغيرهم، و شبه ذلك بتكادم الحمر فى العانه، و وجه التشبيه المغالبه مع الايماء:اى خلعهم ربق التكليف من اعناقهم و كثره غفلتهم عما يراد بهم فى الاخره، و استعار معقود الحبل لما كان انبرم من دوله الاسلام و استعار لفظ الحبل للدين، و كنى باضطرابه عن عدم استقرار قواعد الدين عند ظهور اول هذه الفتنه، و عمى وجه هذا الامر:اى عدم الاهتداء الى وجه المصلحه، و اشار بالحكمه التى تغيض فيها الى الحكمه الخلقيه التى عليها مدار الشريعه و تعليمها، و استعار لفظ الغيض لعدم ظهورها و الانتفاع بها و ينطق فيها الظلمه بالامر و النهى، و ما يقتضيه آراوهم الخارجه عن العدل، و استعار لفظ المسحل لما توذى به العرب و اهل الباديه، و وجه المشابهه اشتراك المبرد او شكيمه ا
للجام و ما توذى به العرب من هذه الفتنه فى الايذاء فكانها شجاع ساق عليهم فدقهم بشكيمه فرسه او نحو ذلك، و كذلك استعار لفظ الكلكل لما يدهم البدو منها ملاحظه لشبهها بالناقه التى برك على الشى ء فتستحقه. و قوله:يضيع فى غبارها الوحدان و يهلك فى طريقها الركبان. كنايه عن عظمتها:اى لايقاومها احد و لايخلص منها الوحدان و الركبان، و لفظ الغبار مستعار للقليل اليسير من حركه اهلها:اى ان القليل من الناس اذا ارادوا دفعها هلكوا فى غبارها من دون ان يدخلوا فى غمارها، و اما الركبان و كنى بهم عن الكثير من الناس فانهم يهلكون فى طريقها و عند خوضها، و قيل:اراد بالوحدان فضلاء الوقت. اذ يقال:فلان واحد وقته، و بالغبار الشبه التى تغطى الحق عن اعينهم، و يكون الركبان كنايه عن الجماعه اهل القوه، و اذا كان هولاء يهلكون فى طريقها:اى عند الخوض لغمراتها فكيف يغيرهم، و كنى بمر القضاء عن القتل و الاسر و نحوهما، و ظاهر كون الواردات الموذيه او النافعه وارده عن القضاء الالهى معلومه الكون، و كذلك استعار وصف الحلب لها ملاحظه لشبهها بالناقه، و كنى بذلك عن سفك الدماء فيها، و منار الدين اعلامه و هم علماوه و يحتمل ان يريد قوانينه الكليه، و ثلمها عبا
ره عن قتل العلماء و هدم قواعد الدين و ترك العمل به، و عقد اليقين هو الاعتقاد الموصل الى علم اليقين او الى عين اليقين و هو اعتقاد الشريعه و ايصال ذلك الى جوار الله تعالى و القرب منه و نقضه هو ترك العمل على وفقه من تغيره و تبدله، و الاكياس الهاربون منها هم العلماء و اهل العقول السليمه و كل هذه الاشارات معلومه من فتنه من ذكرنا، و ظاهر كونهم ارجاس النفوس يرجس الشيطان انجاسها بالهيئات البدنيه، و الملكات الرديئه انجاس الابدان بحكم الشريعه، و كنى عن شدتها و كونها محل المخاوف بوصفى المرعاد و المبراق المستعارين ملاحظه لشبهها بالسحابه كثيره البروق و الرعود بوصف كشفها عن ساق عن اقبالها مجرده كالمشمر للحرب اولامر مهم، و ظاهر كونها تقطع فيها الارحام و يفارق عليها الاسلام، و اشار بريها الى من يعتقد فى هذه الدوله انه ذو صلاح برى ء من المعاصى و الاثام مع كونه ليس كذلك. اذ من الظاهر ان السالم فى هذه الفتنه من معصيه الله قليل بل اقل من القليل، و لعله عند الاستقراء لايوجد، و اشار بظاعنها الى من يعتقد انه متخلف عنها و غير داخل فيها و ظاهر كونه غير منحرف عنها، و يحتمل ان يريد ان من ارتحل عنها خوفا لاينجو منها، و بالله التوفيق.اقول:يقال:طل دم فلان فهو مطلول:اذا هدر و لم يطلب به. و يختلون:يخدعون، و اللعق:جمع لعقه، و هى اسم لما تتناوله الملعقه مره. فقوله:بين قتيل. الى قوله:مستجير. يشبه ان يكون صفه حال المتمسكين بالدين فى زمان الفتنه الاولى. و قوله:يختلون. الى قوله:و بغرور الايمان. صفه حال استجلاب هولاء المقتولين:اى انهم يخدعون باعطاء الاقسام و العهود الكاذبه و ذلك كخداع الحسين عليه السلام عن نفسه و اصحابه، روى يختلون بالبناء للفاعل فيكون وصف حال اهل الفتنه و اتباعهم. ثم اخذ فى نهى السامعين ان يكونوا انصارا للفتن التى يدركونها، و اعلاما للبدع:اى روساء يشار اليهم فيها، و يقتدى بهم كما يشار الى الاعلام البينه و يقتدى بها، و فى الخبر كن فى الفتنه كابن لبون لاظهر فيركب و لاضرع فيحلب. و قوله:و اقدموا على الله مظلومين. ليس المراد منه الامر بالانظلام فان ذلك طرف التفريط من فضيله العداله، و هى رذيله بل المراد انكم اذا كانت لكم مكنه من الظلم فلاتظلموا و لو استلزم ترك الظلم انظلامكم و هو كسر للنفوس عن رذيله الظلم خصوصا نفوس العرب فانها اكثر تطاولا الى الظلم و امنع عن قبول الانظلام و الانفعال عنه و ان استلزم الظلم
كما اشار اليه العربى. و من لم يذد عن حوضه بسهامه يهدم و من لايظلم القوم يظلم و مدارج الشيطان:طرقه، و هى الرذائل التى يحسنها و يقود اليه، و كذلك مهابط العدوان محاله التى يهبط فيها. و هى من طرق الشيطان ايضا، و لعق الحرام كنايه عما يكتسبه الانسان من الدنيا و متاعها على غير الوجه الشرعى، و نبه، باللعق على قلتها و حقارتها بالنسبه الى متاع الاخره، و نبه على وجوب الانتهاء عما نهى عنه بقوله:فانكم بعين من حرم عليكم. الى آخره يقال:فلان من فلان بمرآ و مسمع و بعين منه اذا كان مطلعا على امره:اى فان الذى حرم عليكم المعصيه و اوجب عليكم طاعته مطلع عليكم و عالم بما تفعلون، و ذلك اردع لهم من النهى المجرد، و لفظ العين مجاز فى العلم.