خطبه 188-در ذكر فضائل خويش
اقول:الهينمه:صوت خفى يمسع و لايفهم. و حاصل الفصل:التنبيه على فضيلته لغايه قبول قوله فيما يامرهم به. فذكر منها:انه لم يرد على الله و على رسوله فى وقت قط فيما صدر من الامر عنهما، و استشهد على ذلك بما علمه منه المستحفظون من الصحابه و هم العلماء و اهل الدين الذين استحفظوا كتاب الله و دينه:اى جعلوا حفظه له و اودعوا اياه، و قال بعض الشارحين:و فيه ايماء الى ما كان يفعله بعض الصحابه من التسرع بالقول و الاعتراض على الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فى مواضع كما نقل عن عمر يوم الحديبيه عند سطر كتاب الصلح انه انكر ذلك و قال لرسول الله:السنا على الحق قال:بلى. قال:او ليسوا الكاذبين. قال:بلى. قال:فكيف تعطى الريبه فى ديننا. فقال صلى الله عليه و آله و سلم:انا اعمل بما اومر به. فقام عمر فقال لقوم من الصحابه:الم يكن قد وعدنا الله بدخول مكه وها نحن قد صددنا عنها ثم ننصرف بعد ان اعطينا الريبه فى ديننا و الله لو وجدت اعوانا لم اعط الريبه ابدا. فقال له ابوبكر:و يحك الزم غزوه فو الله انه لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ان الله لايضيعه. ثم قال له:اقال لك:انه سيدخل مكه هذا العام؟. فقال:لا. قال:فسيدخلها. فلما فتح النبى صلى الله عليه و آله و سلم مكه و اخذ مفاتيح الكعبه دعاه. فقال هذا الذى وعدتم به. و منها:مواساته لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بنفسه و هو مما اختص به عليه السلام، و ذلك فى مواطن:فثبت معه يوم احد و فر الناس. روى المحدثون ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما ارتث يوم احد. و نادى الناس قتل محمد راته كتيبه من المشركين و هو صريع بين القتلى الا انه حى فصمدت له. فقال لعلى:اكفنى هذه. فحمل عليها فهزمها و قتل رئيسها:ثم صمدت له اخرى. فقال يا على:اكفنى هذه فحمل عليها و قتل رئيسها. ثم صمدت له ثالثه فكذلك. فكان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول:قال لى جبرئيل حينئذ:يا محمد هذه المواساه. فقلت:و ما يمنعه؟ و هو منى و انا منه. فقال جبرئيل:و انا منكما، و روى المحدثون ايضا ان المسلمين سمعوا ذلك اليوم هاتفا من قبل السماء ينادى:لا سيف الا ذو الفقار و لا فتى الا على. فقال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم:الا تسمعون؟ هذا صوت جبرئيل. و كذلك ثبت معه يوم حنين فى نفر يسير من بنى هاشم بعد ان ولى المسلمون الادبار، و حامى عنه، و قتل قوما من هو اذن بين يديه حتى ثابت اليه الانصار و انهزمتهو اذن و غنمت اموالها، و اما يوم خبير فقصته مشهوره، و ذلك قوله:و لقد واسيته. الى قوله:الاقدام. و قوله:نجده اكرمنى الله بها. فالنجده فضيله تحت الشجاعه، و قد يعبر بها عن الشجاعه. و منها حاله عندما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من تولى امره و مباشره ما يختص به من الاحوال حاله وفاته من وضع راسه على صدره، و قيل:اراد بذلك ان راسه حينئذ كان على ركبتيه، و على ذلك يكون فى صدره عند اكبابه عليه. و الاشبه انه اراد تسنيده حين اشتداد عله موته. ثم سيلان نفسه فى كفه و امرارها على وجهه، و اراد بنفسه دمه يقال:ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قاء وقت موته دما يسيرا، و ان عليا عليه السلام مسح بذلك الدم وجهه، و لاينافى ذلك نجاسه الدم لجواز ان يخصص دم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كما روى ان اباطيبه الحجام شرب دمه صلى الله عليه و آله و سلم حين حجمه. فقال اذن لايتجع بطنك، و كذلك توليه لغسله باعانه الملائكه، و كان هو الذى يغسله و الفضل بن عباس يصب الماء عليه، روى انه عصب عينى الفضل حين صبه الماء، و نقل عنه صلى الله عليه و آله و سلم انه قال:لايبصر عورتى غيرك احد الا عمى، و روى انه عليه السلام قال:ما قلبت عضو
ا الا و انقلب لا اجد له ثقلا كان معى من يساعدنى عليه، و ما ذلك الا الملائكه. و حيا و ميتا منصوبان على الحال من الضمير المجرور فى به، و اما دفنه فتنازع الصحابه فى انه يلحد او يضرح فارسل العباس الى عبيده بن الجراح و كان يحفر لاهل مكه و يضرح لهم على عادتهم، و ارسل الى ابى طلحه الانصارى و كان يلحد لاهل المدينه على عادتهم فقال:اللهم اختر لنبيك فجاء ابوطلحه فلحد له، و تنازعوا فيمن يدخل القبر معه فقال على عليه السلام:لاينزل معه احد غيرى و غير العباس. ثم اذن فى نزول الفضل و اسامه بن زيد. ثم ضجت الانصار و سالوا ان ينزل منهم رجل فانزلوا اوس بن خولى و كان بدريا، و قد يعبر بالضريح عن القبر فيكون اعم من الشق و الاحد. فاما ضجيج الدار و الافنيه باصوات الملائكه ملا يهبط منهم و ملا يصعد بحيث لايفارق هينمتهم سمعه فى حال صلاتهم عليه الى ان واراه فى ضريحه. فقد عرفت كيفيه سماع البشر لاصوات الملائكه فى مقدمات الكتاب، و كذلك صلاتهم تعود الى وساطتهم فى افاضه الرحمه من الله تعالى على العباد، و كذلك علمت معنى الصعود و الهبوط منهم فيما سبق. و اعلم ان حمل الكلام على ظاهره عند الامكان اولى من التعسف فى التاويل، و ذكر هذه الفضيله بهذه
المقامات تجرى مجرى صغرى قياس ضمير من الشكل الاول استدل به على انه لا احق منه به. و تقدير كبراه:و كل من كان ذلك معه صلى الله عليه و آله و سلم. فهو احق به. و حينئذ يتبين انه لا احق به منه، و اراد انه لا احق بالمنزله و القرب منه. ففى حياته بالاخوه و الوزاره، و بعد موته بالوصيه و الخلافه اذ لايريد انه احق بذاته فبقى ان يريد كونه احق به فى المنزله و ولايه امره بعده. ثم عقب ذكر فضيلته بامرهم ان يمضوا فى جهاد عدوهم على بصائرهم:اى عقايدهم انهم على الحق و ان عدوهم على الباطل، و اكد تلك العقائد بالقسم البار انه فيما يامرهم به على طريق الحق، و ان خصومه على مزله الباطل، و ذكر الجاده للحق جذبا اليه، و المزله للباطل تنفيرا عنه، و لان الباطل لا طريق واضحه له بعلم حق او برهان صدق كما عليه الطريق الحق، و باقى الكلام خاتمه الخطبه. و بالله التوفيق.