خطبه 213-تلاوت رجال لا تلهيهم...
اقول:الوقره:الغفله من الوقر و هو الصمم. و العشوه:الغفله من العشاء و هو ظلمه العين بالليل دون النهار. و البرهه:المده الطويله من الزمان. و يهتفون:يصيحون. و البرزخ:ما بعد الموت من مكان و زمان. و النشج:الصوت فى ترديد النفس عند البكاء. و المنادح:جمع مندح و هو المتسع. فقوله:ان الله سبحانه. الى قوله:بعد المعانده. انما يتضح بالاشاره الى الذكر و فضيلته و فائدته:الذكر هو القرآن الكريم لقوله تعالى (و هذا ذكر مبارك انزلناه) و نحوه، و قيل:هو اشاره الى تحميده تعالى و تسبيحه و تكبيره و تهليله و الثناء عليه و نحو ذلك، و اما فضيلته فمن القرآن قوله تعالى (فاذكرونى اذكركم) و قوله (اذكروا الله ذكرا كثيرا) و قوله (فاذا افضتم من عرفات فاذكرو الله) الايه، و قوله (فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) الايه. و اما من الاخبار فقوله صلى الله عليه و آله و سلم:ذاكر الله فى الغافلين كالمقاتل فى الفارين، و قوله صلى الله عليه و آله و سلم:يقول الله:انا مع عبدى ما ذكرنى و تحركت بى شفتاه، و قوله:ما عمل ابن آدم من عمل انجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا:يا رسول الله و لا الجهاد فى سبيل الله. قال:و لا الجهاد فى سبيل الله الا ان تضرب بسيفك الى ان ينقطع ثم تضرب به حتى ينقطع- ثلاثا- و قوله:من احب ان يرتع فى رياض الجنه فليكثر منه ذكر الله. و نحو ذلك. فاما فائدته:فاعلم ان الموثر من الذكر و النافع منه ما كان على الدوام او فى اكثر الاوقات مع حضور القلب، و بدونهما فهو قليل الجدوى. و بذينك الاعتبارين هو المقدم على ساير العبادات بل هو روح العبادات العلميه و غايه ثمرتها، و له اول يوجب الانس بالله و آخر يوجبه الانس بالله، و ذلك ان المريد فى مبدء امره قد يكون متكلفا لذكر امر ليصرف اليه قلبه و لسانه عن الوسواس فان وفق للمداومه انس به و انغرس فى قلبه حب المذكور، و مما ينبه على ذلك ان احدنا يمدح بين يديه شخص و يذكر بحميد الخصال فيحبه و يعشقه بالوصف و كثره الذكر ثم اذا عشق بكثره الذكر اضطر الى كثره الذكر آخرا بحيث لا يصبر عنه فان من احب شيئا اكثر ذكره و من اكثر من ذكر شى ء و ان كان متكلفا احبه و قد شاهدنا ذلك كثيرا. كذلك اول ذكر الله متكلف الى ان يثمر الانس به و الحب له. ثم يمتنع الصبر عنه آخرا فيثمر الثمره، و لذلك قال بعضهم:كابدت القرآن عشرين سنه. ثم تنعمت به عشرين سنه. و لا يصدر التنعم الا عن الانس و الحب و لا يصدر الانس الا م
ن المداومه على المكابده حتى يصير التكلف طبعا. ثم اذا حصل الانسل بالله انقطع عن غير الله، و ما سوى الله يفارقه عند الموت فلا تبقى معه فى القبر اهل و لا مال و لا ولد و لا ولايه و لا تبقى الا المحبوب المذكور فيتمتع به و يتلذذ بانقطاع العوائق الصارفه عنه من اسباب الدنيا و محبوباتها. اذا عرفت ذلك فقوله:جعله جلاء. اشاره الى فائدته و هى استعداد النفوس بمداومته على الوجه الذى ذكرناه لمحبه المذكور و الاعراض عما سواه، و استعار لفظ الجلاء لازاله كل ماسوا المذكور عن لوح القلب بالذكر كما يزال خبث المراه بالصقال، و تجوز بلفظ السمع فى اقبالها على ما ينبغى ان يسمع من اوامر الله و نواهيه و ساير كلامه، و الوقره لاعراضها عنها، و كذلك بلفظ البصر فى ادراكها للحقايق و ما ينبغى لها، و لفظ العشوه لعدم ذلك الادراك اطلاقا فى المجازات الاربعه لاسم السبب على المسبب. و انقياد هاله:اى للحق، و سلوك طريقه بعد المعانده فيه و الانحراف عنه. و قوله:و ما برح. الى قوله:عقولهم. اشاره الى انه لم يخلو المدد و ازمان الفترات قط من عباد الله و اولياء له و الهمهم معرفته و افاض على افكارهم و عقولهم صور الحق و كيفيه الهدايه اليه مكاشفه، و تلك الافاضه
و الالهام هو المراد بالمناجات و التكلم منه. و قوله:فاستصبحوا. الى قوله:و الافئده. اى استضاوا بمصباح نور اليقظه، و اليقظه فى الافئده فطانتها و استعدادها الكامل لما ينبغى لها من الكمالات العقليه، و نور تلك اليقظه هو ما يفاض عليها بسبب استعدادها بتلك الفطانه و يقظه الابصار و الاسماع بتتبعها لابصار الامور النافعه المحصله منها عبره و كمالا نفسانيا و سماع النافع من الكلام، و انوار اليقظه فيهما ما يحصل بسبب ذلك الابصار و السماع من انوار الكمالات النفسانيه. ثم شرع فى وصف حالهم فى هديهم لسبيل الله بايامه، و هى كنايه عن شدايده النازله بالماضين من الامم، و اصله انها يقع فى الايام، و يحتمل ان يكون مجازا اطلاقا لاسم المحل على الحال، و مقام الله كنايه عن عظمته و جلالته المستلزمه للهيبه و الخوف. و شبههم بالادله فى الفلوات، و وجه الشبه كونهم هادين لسبيل الله كما تهدى الادله، و كما ان الادله تحمد من اخذ القصد فى الطريق طريقه و تبشره بالنجاه و من انحرف عنها يمينا و شمالا ذموا اليه طريقه و حذروه من الهلكه كذلك الهداه الى الله من سلك سبيل الله العدل اليه و قصد فيها حمدوا اليه طريقه و بشروه بالنجاه من المهالك، و من انحرف عنها
يمينا و شمالا:اى سلك احد طرفى الافراط و التفريط ذموا اليه مسلكه و حذروه من الهلاك الابدى. و قوله: