نامه 030-به معاويه
اقول:اول هذا الكتاب:اما بعد فقد بلغنى كتابك تذكر مشاغبتى و تستقبح موازرتى و تزعمنى متجبرا و عن حق الله مقصرا. فسبحان الله كيف تستجيز الغيبه و تستحسن العضيهه. انى لم اشاغب الا فى امر بمعروف او نهى عن المنكر و لم اتجبر الا على مارق او ملحد او منافق و لم آخذ فى ذلك الا بقول الله و رسوله (و لو كانوا آبائهم او ابنائهم) و اما التقصير فى حق الله فماذ الله جل ثناوه من ان اعطل الحقوق الموكده و اركن الى الاهواء المبتدعه و اخلد الى الضلاله المحيره. و من العجب ان تصف يا معاويه الاحسان و تخالف البرهان و تنكث الوثايق التى هى لله عز و جل طلبه و على عباده حجه مع نبذ الاسلام و تضييع الاحكام و طمس الاعلام و الجرى فى الهواى و التهوس فى الردى. ثم يتصل بقوله:فاتق الله. الفصل المذكور. و من هذا الكتاب ايضا:و ان للناس جماعه يد الله عليها و غضب الله على من خالفها. فنفسك نفسك قبل حلول رمسك فانك الى الله راجع و الى حشره مهطع و سيبهضك كربه و يحل بك غمه فى يوم لا يغنى النادم ندمه و لا يقبل من المعتدر عذره يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون. و العضيهه:الافك و البهتان. و الطمس:اخفاء الاثر. و نهجه:واضحه. و مطلبه بتشديد الطاء و فتح اللام:اى مطلوبه جدا منهم و الاكياس:العقلاء. و الانكاس:جمع نكس و هو الدنى ء من الرجال. و نكب:عدل. و الخبط. المشى على غير استقامه. و الخسر:الخسران. و الاقتحام:الدخول فى الامر بشده. و الوعر:الشديد. و المهطع:المسرع. و بهضه الامر:اثقله. و الفصل موعظه. فاشار عليه السلام عليه بتقوى الله فيما لديه من مال المسلمين و فيئهم، و ان ينظر فى حقه تعالى عليه و آثار نعمته فيقابله بالشكر و الطاعه، و ان يرجع الى معرفه مالا عذر له فى ان يجهله من وجوب طاعه الله و رسوله و طاعه الامام الحق. و قوله:فان للطاعه اعلاما واضحه. اى الطاعه لله، و استعار لفظ الاعلام لما يدل على الطريق الى الله من الكتاب و السنه القوليه و الفعليه و من جملتها ائمه الحق و الهدى فانهم اصل تلك الاعلام و حاملوها. و عنى بالسبل النيره و المحجه النهجه الطرق الى الله المدلول عليها باعلامها المذكوره، و بالغايه المطلوبه من الخلق وصولهم الى حضره قدس الله طاهرين مجردين عن الهيئات البدنيه الدنيه مستمعين للكمالات الانسانيه النفسانيه. و اعلم ان الطاعه اسم لقصد تلك الاعلام و سلوك تلك المحجه طلبا لتلك الغايه، و الضمير فى قوله:يردها و يخالفها و
عنها راجع الى المحجه و الاعلام الواضحه عليها، و ظاهر ان العقلاء هم الذين يختارون ورود تلك المحجه و يقصدون اعلامها و ان ادنياء الهمم يخالفون الى غيرها فيعدلون عن صراط الله الحق و يحبطون فى تيه الجهل و يغير الله بذلك نعمته عليهم و يبدلهم نقمته فى دار الجزاء. ثم لما اشار عليه بما اشار و اوضح له سبل السلامه و ما يلزم مخالفها من تغيير نعمه الله و حلول نقمته امره ان يحفط نفسه بسلوك تلك السبل عما يلزم مخالفتها و العدول عنها من الامور المذكوره. ثم اعلمه بان الله بين له سبيله و اراد سبيل طاعته المامور بسلوكها. و هو فى قوه قياس صغرى ضمير من الشكل الاول اوجب عليه به سلوك تلك السبيل. و تقدير الكبرى:و كل من بين الله له سبيل التى اوجب عليه سلوكها فقد وجب عليه حفظ نفسه بسلوكها. و قوله:و حيث تناهت بك امورك. فحسبك ما تناهت بك اليه. ثم فسر ذلك الحيث الذى امره بالوقوف عنده و هو غايه الخسر:اى الغايه المستلزمه للخسر التى هى منزله من منازل الكفر، و اخبره انه قد اجرى اليها و كفى بها غايه شر. و اجرائه الى تلك الغايه كنايه عن سعيه و عمله المستلزم لوصوله اليها. يقال:اجرى فلان الى غايه كذا:اى قصدها بفعله. و اصله من اجراء الخيل للس
باق. و لفظ الخسر مستعار لفقدان رضوان الله و الكمالات الموصله اليه، و انما جعل تلك الغايه التى اجرى اليها منزله كفر لان الغايات الشريه المنهى عن قصدها من منازل الكفار و مقاماتهم فمن سلك اليها قصدا و بلغها اختيارا فقد لحق منازل الكفر و محاله. و قوله:و ان نفسك قد اولجتك شرا. اى ادخلتك فى شر الدنيا و الاخره، و اراد نفسه الاماره بالسوء بما سولت له من معصيه الله و مخالفه الامام الحق، و يروى:قد او حلتك:اى القتك فى الوحل. و هو مستعار لما وقع فيه من المعصيه و الاختلاط عن الجهل، و اقحمتك غيا:اى ادخلتك فى الغى و الضلال، و اوردتك المهالك:اى الموارد المهلكه من الشبهات و المعاصى، و اوعرت عليك المسالك:اى مسالك الهدى و طرق الخير لان النفس الاماره بالسوء اذا اوردت الانسان سبل الضلاله و سهلت عليه سلوكها بوسوستها و تحسينها للغايات الباطله لزمه بسبب ذلك البعد عن طرق الهدى و مسالك الخير، و استصعاب سلوكها. و بالله التوفيق و العصمه و به الحول و القوه و العون و التسديد.