خطبه 217-نكوهش دنيا
اقول:التاره:المره. و المستهدفه:التى جعلت هدفا نصبت لترمى. و عفت الاثار:انمحت. و النمارق:جمع نمرق و نمرقه، و هى وساده صغيره. و الكلكل الصدر. و بعثرت القبور، و بعثرتها:اخراج ما فيها و نبشها. يقال:بعثر الرجل متاعه اذا فرقه و قلب اعلاه اسفله. و غرض الفصل التحذير من الدنيا و الاشتغال بها عن الله، و التنفير عن ذلك بذكر معايبها، و الجذب به الى استعمالها على الوجه المطلوب الذى لاجله وجدت. فقوله:دار. خبر مبتداء محذوف هو الدنيا، و ذكر من معايبها عده:احدها:كونها مقرونه بالبلاء ملازما لها فكنى عن ذلك بالحفوف الذى هو الاحاطه من الجوانب لانه ابلغ. الثانى:كونها معروفه بالغدر، و استعار لفظ الغدر لغيرهما عما يتوهم الانسان دوامها عليه فى حقه من احوالها المعجبه له كالمال و الصحه و الشباب فكانه فى مده بقاء تلك الاحوال عليه قد اخذ منها عهدا فكان التغير العارض لها المستلزم لزوال تلك الاحوال عنه اشبه شى ء بالغدر و لما كان كثر منها ذلك صارت معروفه به. و ثالثها:كونها لا تدوم احوالها. و رابعها:لا تسلم نزالها من آفاتها. و خامسها:اختلاف احوالها، و احوال خبر مبتدء محذوف تقديره:احولها احوال كذلك. و سادسها:تصرف تاراتها و هو تغير احوالها تاره بعد اخرى. و سابعها:كون العيش فيها مذموما، و لما كان العيش فيها كنايه عن الالتذاذ بها و التنعم فيها و استلزم ذلك العاقبه المهلكه لا جرم لزم الذم، و لانه مشوب بتكدير الامراض و الاعراض فلا يزال مذموما فى الالسنه حتى فى لسان صاحبه و المستريح اليه عند معاناته بعض مراتب الكدر. و ثامنها:عدم الامان فيها:اى من مخاوفها، و ما يلزم تصرفاتها من البلاء و كل ذلك من ضرورتها و اختلاف استعدادات القوابل فيها عن حركات الافلاك و كواكبها، و كون المبادى المفارقه مفيضه على كل قابل منها ما استعد له. و تاسعها:كون اهلها فيها اغراضا مستهدفه، و استعار لفظ الاغراض، و رشح بذكر الاستهداف، كذلك استعار لفظ الرمى لايقاع المصايب بهم و رشح بذكر السهام. و عاشرها:كونها معهم على سبيل من قد مضى من القرون الخاليه ممن كان اطول اعمارا و اعمر ديارا و ابعد آثارا:اى كانت آثارهم لا يقدر عليها و لا تنال لعظمها، و كونها معهم على ذلك السبيل اشاره الى اقبالها لهم كافناء اولئك و الحاقهم باحوالهم. و قوله:اصبحت اصواتهم. الى قوله:و الثرى. تفصيل لاحوال اولئك و و عيد للسامعين بلحوقها لهم. اذ كان سبيل الدنيا مع الجمع واحدا، و
ركود رياحهم كنايه عن سكون احوالهم و خمول ذكرهم بعد العظمه فى الصدور. و قوله:قد بنى بالخراب فناوها. اى على خراب ما كان معمورا من الابدان و المساكن، و ظاهر ان القبور اسست على ذلك و بنيت عليه، و راعى فى قوله:فناوها و بناوها و مغترب و مقترب السجع المتوازى مع المطابقه فى القرينتين الاخريين، و اراد ان ساكنها و ان اقترب محله فهو غريب عن اهله، و نبه بقوله:موحشين و متشاغلين و كونهم لا يستانسون بالاوطان و لا يتواصلون تواصل الجيران على ان احوالهم من تجاورهم و فراغهم ليس كاحوال الدنيا المالوفه لهم ليخوف بها و ينفر عنها. ثم اشار الى عدم عله المزاوره، و استعار لفظ الطحن لافساد البلى لا جسادهم و رشح بلفظ الكلكل، و كذلك استعار لفظ الاكل لافنائها. و قوله:و كان قد صرتم. الى قوله:المستودع. فكان المخففه من الثقيله، و اسمها ضمير الشان، و التقدير فيشبه انكم قد صرتم الى مصيرهم و احوالهم و يقرب من ذلك لان مشابهه الاحوال يستلزم قرب بعضها من بعض، وارتهنكم ذلك المضجع:اى صار لكم دار اقامه و اتخذكم سكانه المقيمين به، و اطلق عليه لفظ المستودع باعتبار كونهم سيخرجون منه يوم القيامه. و قوله:فكيف بكم. الى قوله:القبور. سوال لهم عن كيف
يه حالهم عند تناهى امورهم و احوالهم فى يوم البعث سوالا على سبيل التذكير بتلك الاحوال و التخويف بتلك الاهوال ليذكروا شدتها فيفزغوا الى العمل، و ذكر منها امرا واحدا و هو اطلاع النفوس على ما قدمت و اسلفت فى الدنيا من خير و شر و الرد الى المولى الحق الذى ظل مع الرجوع اليه كل ما كان يفترى من دعوى حقيقه ساير الاباطيل المعبوده. و بالله التوفيق.