حکمت 357
احديها:الفكر مرآه صافيه. و استعار لها له لفظ المرآه باعتبار انه يرى به المعقولات كما يرى الاشباح فى المرآه. و قد سبق بيانه. الثانيه:الاعتبار منذر ناصح. استعار لفظ المنذر الناصح للاعتبار، و ذلك انه يذكر الاخره و يفيد الانزجار و الاتعاظ عن المناهى كالمنذر الناصح. الثالثه:و كفى ادبا لنفسك ما كرهته لغيرك. اشار ان تجنب المرء لما يكره لغيره من الرذائل المهكله ادب كاف له. و نفر عنه بكونه مكروها للغير و رغب فى تجنبه بكونه ادبا كافيا المنفس.حکمت 358
اراد انه مقرون به فى الوضع الذى ينبغى بمقتضى الحكمه الالهيه، و ذلك انه تعالى جعل للنفس العاقله قوتين علميه و عمليه و جعل كمالها باستكمال هاتين القوتين بالعلم و العمل و لا كمال لها بالعلم دون اقترانه بالعمل. و قوله:فمن علم عمل. اى من علم ما ينبغى لزمه فى الحكمه ان يعمل بمقتضى العلم و كان ذلك داعيا له الى العمل مستلزما لوجوده منه، و يحتمل ان يكون قوله:عمل. خبرا فى معنى الامر:اى فمن علم فليعمل. و قوله:و العلم. الى آخره. فالهتف النداء و ان لم ير المنادى، و استعار لفظه للمعقول من طلب العلم لمقارنه العمل الذى ينبغى له و جذبه الطبيعى له فكانه يصيح به و يدعوه الى مقارنته ليكون منهما كمال الانسان. و معنى قوله:فان اجابه و الا ارتحل. ان العلم الذى ينبغى اذ قارنه العمل تاكد به حتى يصير العلم كانه برز الى عالم الحس فى صوره الفعل. مثلا اذا علم الانسان وجود الصانع و ما ينبغى من طاعته ثم قرن ذلك بعبادته استلزمت تلك العباده منه دوام ملاحظته تعالى و اخطار ذكره بالبال حتى لا يصير منسيا له فى وقت. فاما اذا ترك العمل لله فلابد ان يشتغل بغيره عن ذكره و ينقطع ملاحظته له حتى يكون ذلك سببا لنسيانه و الغفله عنه. و استعار لفظ الارتحال لزوال العلم باعتبار عدم استعداد تلك النفس و صلاحيتها، كالراحل عن وطن لا يصلح لاستيطانه. و قيل:اراد بالارتحال عدم المنفعه مجازا اطلاقا لاسم ذى الغايه على غايته. اذ كانت الغايه من لارتحال عدم المنفعه بالمرتحل.
حکمت 359
اقول:القلعه:الرحله. و الحظوه:المنفعه. و راقه:اعجبه و الكمه:العمى خلقه. و الاشجان:العوارض المهمه. و الرقص:الغليان و الاضطراب. و الابهران:عرقان متعلقان بالقلب. و اكدى:قل خيره. و الابلاس:الياس من الرحمه. و فى الفصل فايدتان:احديهما نفر عن الدنيا بامور:احدها:ان حطامها موبى ء:اى مهلك، و استعار لفظ الحطام لمتاعها باعتبار سرعه زواله و قله الانتفاع به كما قال تعالى (انما مثل الحياه الدنيا كماء انزلناه من السماء) الايه. و كونه موبئا استلزم اقتنائه و الاعتناء بجمعه للهلاك فى الاخره و لذلك امر بتجنب مرعاه:اى رعيه او محل رعيه و هو الدنيا. الثانى:قلعتها و عدم القرار بها انفع من الطمانينه اليها لما يستلزمه من الشقاوه فى الاخره بمحبتها و السكون اليها. الثالث:ان الاقتصار على البلغه من العيش فيها ازكى من الثروه بها لما تستلزمه من الثروه بها من الشقاء الاخروى. فالاقتصار على القدر الضرورى منها اطهر و اسلم من غوائلها. الرابع:حكم بالفاقه على مكثرها اما فيها فلان كل زياده منها موجبه للحاجه الى اخرى فلذلك كان اكثر الناس حاجه فيها الملوك ثم من دونهم على اختلاف درجاتهم فيها، و اما فى الاخره فلفقر المكثرفيها المشتغل بها من ملكات الخير و الفضائل. الخامس:ان من غنى عنها بزهده فيها اعين من الله بالراحه منها. السادس:ان من اعجبته زينتها فانصب اليها عمى عما فيها من العبر عما وراءها من احوال الاخره، و استعار لفظ الكمه للمعقول من عمى البصيره عن الاعتبار لان ذلك اشد من العمى كما قال تعالى (فانها لا تعمى الابصار و لكن تعمى القلوب التى فى الصدور). السابع:ان من اتخذ محبتها شعارا ملات قلبه و هموما غموما و احزانا على ما لم يحصل منها بطلبه، و على مافات منها بالاسف عليه. و استعار لفظ الرقص لتعاقب تلك الاحزان و الهموم، و اضطرابها فى قلبه الى غايه الاخذ بكظمه، و كنى به عن الموت، و بالقائه بالفضاء عن دفنه. و منقطعا و هينا حالان. و الفائده الثانيه. انه ارشد الى صفات المومن فى صحبه الدنيا:احديها:انه انما ينظر اليها بعين الاعتبار ليحصل منها عبره، و ذلك هو الذى خلق لاجله. الثانيه:و يقتات منها ببطن الاضطرار. و كنى به عن كونه لا يتناول منها الا بلغته و مقدار ضرورته. الثالثه:و يسمع فيها باذن المقت و الابغاض. و كنى به عن بغضه لها فهو لا يسمع ما تمدح به، بل معايبها. و قوله:ان قيل اثرى. الى قوله:الفناء. اراد ان الانسان فيها منغ
ص اللذه مكدر العيشه بينا هو مثر اذ لحقه الاكداء و الفقر، و فرح ببقاء حبيب اذ لحقه الحزن عليه. و هذا الكلام لا حق بالفائده الاولى فى وصف حال الانسان فى الدنيا و من تمامه، و وصف المومن هنا اعتراض. و قوله هذا و لم ياتهم:اى هذا البلاء و لم يات الناس يوم القيامه الذى لشده هوله يياسون فيه من الرحمه.