خطبه 021-در توجه به قيامت
قال الشريف :اقول :ان هذا الكلام لو وزن ، بعد كلام الله سبحانه و بعد كلام الله سبحانه و بعد كلام رسول الله صلى الله عليه و اله ، بكل كلام لمال به راحجا، و برز عليه سابقا. فاما قوله عليه السلام (تخففوا تلحقوا) فما سمع كلام اقل منه مسموعا و لا اكثر محصولا و ما ابعد غورها من كلمه ، و انقع نطفتها من حكمه ، و قد نبهنا فى كتاب الخصائص على عظم قدرها و شرف جوهرها اقول:لا شك ان هذه الكلمات اليسيره قد جمعت و جازه الالفاظ و جزاله المعنى المشتمل على الموعظه الحسنه و الحكمه البالغه و هى اربع كلمات:الاولى ان الغايه امامكم. و اعلم انه لما كانت الغايه من وجود الخلق ان يكونوا عباد الله كما قال تعالى و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون و كان المقصود من العباده انما هو الوصول الى جناب عزته و الطيران فى حظائر القدس باجنحه الكمال مع الملائكه المقربين، و كان ذلك هو غايه الانسان المطلوبه منه و المقصوده له و المامور بالتوجه اليها بوجهه الحقيقى فان سعى لها سعيها ادركها و فاز بحلول جنات النعيم و ان قصر فى طلبها و انحرف سواء الصراط الموصل اليها و قد علمت ان ابواب جهنم عن جنبتى الصراط مفتحه كان فيها من الهاوين، و كانت غايته فدخلها مع الداخلين. فاذن ظهر ان غايه كل انسان امامه اليها يسير و بها يصير. الثانيه قوله و ان ورائكم الساعه تحدوكم، و المراد بالساعه القيامه الصغرى و هى ضروره الموت، فاما كونها ورائهم فلان الانسان لما كان بطبعه ينفر من الموت و يفر منه و كانت العاده فى الهارب من الشى ء ان يكون ورائه مهروب منه و كان الموت متاخرا عن وجود الانسان و لاحقا تاخرا و لحوقا عقليا اشبه المهروب منه المتاخر اللاحق تاخرا و لحوقا حسيا، فلاجرم استعير لفظ الجهه المحسوسه و هى الوراء. و اما كونها تحدوهم فلان الحادى لما كان من شانه سوق الابل بالحداء و كان تذكر الموت و سماع نواد به مقلقا مزعجا للنفوس الى الاستعداد لامور الاخره و الاهبه للقاء الله سبحانه فهو يحملها على قطع عقبات طريق الاخره كما يحمل الحادى الابل على قطع الطريق البعيده الوعره لاجرم اشبه الحادى فاسند الحداء اليه. الثالثه قوله تخففوا تلحقوا. و لما نبههم بكون الغايه امامهم و ان الساعه تحدوهم فى سفر واجب و كان السابق الى الغايه من ذلك السفر هو الفائز برضوان الله، و قد علمت ان التخفيف و قطع العلائق فى الاسفار سبب للسبق و انفوز بلحوق السابقين لاجرم امرهم بالتخفيف لغايه اللحوق فى كلمت
ين:فالاولى منهما قوله تخففوا و كنى بهذا الامر عن الزهد الحقيقى الذى هو اقوى اسباب السلوك الى الله سبحانه و هو عباره عن حذف كل شاغل عن التوجه الى القبله الحقيقيه و الاعراض عن متاع الدنيا و طيباتها و تنحيه كل ما سوى الحق الاول عن مستن الايثار فان ذلك تخفيف لاثقال الاوزار المانعه عن الصعود فى درجات الابرار الموجبه لحلول دار البوار و هى كنايه باللفظ المستعار، و هذا الامر فى معنى الشرط، و الثانيه قوله تلحقوا و هو جزاء الشرط اى ان تخففوا تلحقوا و المراد تلحقوا بدرجات السابقين الذين هم اولياء الله و الواصلون الى ساحل عزته، و ملازمه هذه الشرطيه قد علمت بيانها فان الجود الالهى لا بخل فيه و لا قصور من جهته و الزهد الحقيقى اقوى اسباب السلوك الى الله كما سبق فاذا استعدت النفس بالاعراض عما سوى الحق سبحانه و توجهت الى استشراق انوار كبريائه فلابد ان يفاض عليها ما تقبله من الصوره التماميه فيلحق بدرجه السابقين و يتصل بساحل العزه فى مقام امين. الرابعه فانما ينتظر باولكم آخركم اى انما ينتظر بالبعث الاكبر و القيامه الكبرى للذين ماتوا اولا وصول الباقين و موتهم، و تحقيق ذلك الانتظار انه لما كان نظر العنايه الالهيه الى الخلق نظرا
واحدا و المطلوب منهم واحد و هو الوصول الى جناب عزه الله الذى هو غايتهم اشبه طلب العنايه الالهيه وصول الخلق الى غايتهم انتظار الانسان لقوم يريد حضور جميعهم و ترقبه باوائلهم وصول اواخرهم فاطلق عليه لفظ الانتظار على سبيل الاستعاره، و لما صور هيهنا صوره انتظارهم لوصولهم جعل ذلك عله لحثهم على التخفيف و قطع العلائق، و لا شك ان المعقول لاولى الالباب من ذلك الانتظار حاث لهم ايضا على التوجه بوجوه انفسهم الى الله و الاعراض عما سواه. فهذا ما حضرنى من اسرار هذه الكلمات. و كفى بكلام السيد- رحمه الله- مدحا لها و تنبيها على عظم قدرها، و قد استعار لفظ النطفه و هو الماء الصافى للحكمه. و بالله التوفيق و العصمه.