نامه 017-در پاسخ نامه معاويه
اقول:روى ان معاويه استشار بعمرو بن العاص فى ان يكتب الى على كتابا يساله فيه الشام فضحك عمرو و قال:اين انت يا معاويه من خدعه على؟. قال:السنا بنى عبدمناف؟ قال:بلى ولكن لهم النبوه دونك و ان شئت ان تكتب فاكتب. فكتب معاويه اليه مع رجل من السكاسك يقال له عبدالله بن عقبه:اما بعد فانى اظنك لو علمت ان الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت و علمنا، لم يحبها بعض على بعض. و انا و ان كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقى لنا منها ما يندم بها على ما مضى و نصلح به ما بقى، و قد كنت سالتك الشام على ان لا يلزمنى منك طاعه و لا بيعه و ابيت ذلك على فاعطانى الله ما منعت و انا ادعوك اليوم الى ما دعوتك اليه امس فانك لا ترجو من البقاء الا ما ارجو و لا اخاف من القتل الا ما تخاف، و قدو الله رقت الاجناد و ذهبت الرجال و اكلت الحرب العرب الاحشاشات انفس بقيت، و انا فى الحرب و الرجال سواء و نحن بنو عبدمناف و ليس لبعضنا على بعض فضل الا فضل لا يستذل به عزيز و لا يسترق به حر. و السلام. فلما قرء على عليه السلام كتابه تعجب منه و من كتابه ثم دعا عبدالله بن ابى رافع كتابه و قال له:اكتب اليه:اما بعد فقد جاءنى كتابك تذكر انك لو علمت و علمنا انالحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يحبها بعض على بعض و انا و اياك فى غايه لم نبلغها بعد، و اما طلبك الى الشام. الفصل. الحشاشه:بقيه الروح. و الطليق:الاسير الذى اطلق من اسره و خلى سبيله. و الصريح:الرجل خالص النسب. و اللصيق:الدعى الملصق بغير ابيه. و المدغل:الذى اشتمل باطنه على فساد كنفاق و نحوه. و سلف الرجل:آباوه المتقدمون. و خلفه:من يجى ء بعده. و نعشنا:رفعنا. و الفوج:الجماعه. و قد اجاب عليه السلام عن امور اربعه تضمنها كتاب معاويه:احدها:انه استعطفه الى البقيه و الستدرجه لوضع الحرب بقوله:انك لو علمت. الى قوله:ما بقى. و فيه اشعار بالجزع من عض الحرب و الخوف من دوامها فاجابه عليه السلام بقوله:و انا و اياك فى غايه لم نبلغها بعد، و يفهم منه التهديد ببقاء الحرب الى الغايه منها و هى الظفر به و هلاكه و هو مستلزم لتخويفه و التهويل عليه و منع ما طلب من وضع الحرب. الثانى:انه سال اقراره على الشام مع نوع من التشجع الموهم لعدم الانفعال و الضراعه، و ذلك فى قوله:و قد كنت سالتك الشام. الى قوله:امس. و قوله:فانك لا ترجو. الى قوله:ما نخاف. اشاره الى كونهما سواء فى رجاء البقاء و الخوف من القتل، و مقصود ذلك ان يوهم انه
لا انفعال له عن تلك الحرب ايضا. و قوله:و انا ادعوك الى ما دعوتك اليه امس. اى من طلب اقراره على الشام، و ذلك انه عليه السلام حين بويع بالخلافه كان معاويه سال منه اقراره على امره الشام، و نقل عن ابن عباس انه قال له عليه السلام:وله شهرا و اعز له دهرا فانه بعد ان يبايعك لا يقدر على ان يعدل فى امرته و لابد ان يجور فتعز له بذلك. فقال عليه السلام:كلا و ما كنت متخذ المضلين عضدا. و روى:ان المغيره بن شعبه قال له عليه السلام:ان لك حق الطاعه و النصيحه اقرر معاويه على عمله و العمال على اعمالهم حتى اذا اتتك طاعتهم و تبعه الجنود استبدلت او تركت. فقال عليه السلام:حتى انظر فخرج من عنده ثم عاد اليه من الغد فقال:انى اشرت عليك امس براى و ان الراى ان تعاجلهم بالنزع فيعلم السامع من غيره و يستقل امرك ثم خرج من عنده. فجائه ابن عباس فاخبره بما اشار اليه المغيره من الرايين. فقال:اما امس يفقد نصحك و اما اليوم فقد غشك. و قد كان الراى الدنياوى الخالص فى حفظ الملك ذلك لكنه عليه السلام لما لم يكن لستاهل فى شى ء من امر الدين اصلا و ان قل و كان اقرار معاويه و امثاله على الاعمال يستلزم العدول فى كثير من تصرفاتهم عن سبيل الله لا جرم ل
م ير اقراره على العمل، و منعه ما سال. و لما كان منعه اولا مما سال منعا خالصا لله عن مشاركه الهوى و الميول الطبيعيه لم يكن سواله ثانيا و استعطافه اياه مقربا له الى اجابته خصوصا و قد احدث تلك الحروب الشديده التى اخذت من العرب ما اخذت و قتل من المهاجرين و الانصار و ساير العرب من قتل، بل اجابه بعين ما اجابه اولا من الرد و المنع فى قوله:فلم اكن لاعطيك اليوم ما منعتك امس. اذا العله فى المنع قائمه فى كل حين و زمان و هى المحافظه على دين الله. الثالث:حفظ الرجال. و التبقيه على الاجناد لحفظ الاسلام و تقويمه امر واجب فلا جرم استعطفه و استدرجه الى التبقيه عليهم بالتنبيه على ذلك بقوله:و قدو الله. الى قوله:بقيت. فاجابه عليه السلام الا و من اكله الحق فالى النار و هو كبرى قياس حذفت صغراه للعلم بها، و تقديرها:ان هولاء الاجناد الذين قتلنا هم انما قتلهم الحق:اى كان قتلهم بحق لبغيهم. و تقدير هذه الكبرى:و كل من قتله الحق فمصيره الى النار فينتج ان مصير من قتل من هولاء الى النار. ثم هذه النتيجه تنبيه على الجواب و هى فى قوه صغرى قياس ضمير تقدير كبراه:و كل من كان من اهل النار فلا يجوز التبقيه عليه و لا الاسف لفقده. الرابع:او
هم بقوله:و انا فى الحرب و الرجال سواء. على انه ممن لا ينفعل عن هذه الحروب و ان اشتدت، و ان الضعف و الهلاك ان جرى فعلى العسكرين. و فيه نوع تخويف و تهويل. فاجابه عليه السلام بقوله:فلست بامضى. الى قوله:الاخره، و وجه كون الاول جوابا انه يقول:انك فى طلبك لما انت طالب له على شك من استحقاقه و انا على يقين فى ذلك و كل من كان فى شك من امره فليس بامضى فى حربه و قيامه عليه ممن هو على ثقه فى امره ينتج انك لست امضى فى امرك على الشك منى على اليقين فى امرى. و يفهم من ذلك انه يقول:بل انا امضى فى امرى و اولى بالغلبه لكونى على بصيره و يقين. و حينئذ تكذب المساواه بينهما لكون المتيقن ارجح فى فعله من الشاك، و وجه كون الثانى جوابا انه يقول:ان اهل الشام يطلبون بقتالهم الدنيا و اهل العراق يطلبون بقتالهم الاخره و ليس اهل الشام باحرص على مطلوبهم من الدنيا من اهل العراق على مطلوبهم من الاخره. و يفهم من ذلك انه يقول:بل اهل العراق احرص على الاخره من اهل الشام على الدنيا لشرف الاخره و لتيقنهم حصولها، و انقطاع الدنيا و شك اهل الشام فى حصولها كما قال تعالى (فانهم يالمون كما تالمون و ترجون من الله ما لا يرجون) و حينئذ تكذب المساواه فى
الحرب و الرجال لشرف اهل الاخره على اهل الدنيا و لكون الاحرص اولى بالغلبه و القهر. الخامس:انه نبه بقوله:و نحن بنو عبدمناف. الى آخره على مساواته له فى الشرف و الفضيله و هو فى قوه صغرى قياس ضمير من الاول. و تقدير كبراه:و كل قوم كانوا من بيت واحد فلا فضل بعضهم على بعض و لا فخر. فاجابه عليه السلام بالفرق بينهما بعد ان سلم له الاشتراك بينهما فى كونهما من بنى عبدمناف و ذكر الفرق من وجوه خمسه بدء فيها بالامور الخارجه اولا من كمالاته و فضائله و رذائل خصمه متدرجا منها الى الاقرب فالاقرب. فالاول:شرفه من جهه الاباء المتفرعين عن عبدمناف، و ذلك ان سلك آبائه عليه السلام ابوطالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، و سلك آباء معاويه ابوسفيان بن حرب به اميه بن عبدمناف، و ظاهر ان كل واحد من اولئك الثلاثه اشرف ممن هو فى درجته من آباء معاويه. و قد ذكرنا طرفا من فضلهم على غيرهم. الثانى:شرفه من جهه هجرته مع الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و خسه خصمه من جهه كونه طليقا و ابن طليق. و هذه الفضيله و ان كانت خارجيه الا انها تستلزم فضيله نفسانيه و هى حسن الاسلام و النيه الصادقه الحقه، و كذلك ما ذكر من رذيله خصمه بدنيه عرضت له الا ان ه
ذه الفضيله و الرذيله اقرب من الاعتبارين الاولين لكونهما حقيقيتين بالاباء و هميتين بالابناء دون هاتين. الثالث:و كذلك شرفه من جهه صراحه النسب و خسه خصمه من جهه كونه دعيا. و هذان الاعتباران اقرب مما قبلهما لكونهما اعتبارين لازمين لهما دون الاولين. الرابع:شرفه من جهه كونه محقا فيما يقوله و يعتقده، و رذيله خصمه من جهه كونه مبطلا. و هذان الاعتباران اقرب لكونهما من الكمالات و الرذايل الذاتيه دون ما قبلهما. الخامس:شرفه من جهه كونه مومنا و المومن الحق هو المستكمل للكمالات الدينيه النفسانيه، و خسه خصمه من جهه كونه مدغلا:اى خبيث الباطن مشتملا على النفاق و الرذائل الموبقه. و ظاهر ان هذين الاعتبارين اقرب الكمالات و الرذائل الى العبد، و انما بدء بذكر الكمالات و الرذائل الخارجيه لكونهما مسلمه عند الخصم و اظهر له و للخلق من الامور الداخليه. ثم لما ذكر الرذائل المتعلقه بخصمه اشار الى كونه فى افعاله و رذائله خلفا لسلف هوى فى نار جهنم. ثم رتب ذمه على ذلك. و قوله:و لبئس الخلف. الى قوله:جهنم. فى قوه كبرى قياس استغنى بمفهومها عن صغراه. و تقديرها:فانت خلف تتبع سلفا، و كل خلف تتبع فى افعاله و رذائله سلفا هوى فى نار جهنم فهو
كذلك، و كل من كان كذلك فبئس به. السادس:ان معاويه لما اكد ما به علق من المساواه فى الفضل فى قوله:و ليس لبعضنا على بعض فضل و استثنى من ذلك فقال:الا فضل لا يستذل به عزيز و لا يسترق به حر. اشار عليه السلام الى كبرى هى كالجواب لذلك و هو قوله:و فى ايدينا بعد فضل النبوه. الى قوله:الذليل، و ظاهر ان هذا الفضل الذى حصل فى هذا البطن من هاشم هو سبب اذلالهم الاعزاء و انعاشهم و تقويتهم الاذلاء و استرقاقهم الاحرار، و ذلك فضل عريت عنه بنو اميه و غيرهم. فاذن قوله:و ليس لبعضنا على بعض فضل الا فضل لا يستذل به عزيز. الى آخره قول باطل. ثم اردف هذه الفضيله بذكر رذيله لخصمه بالنسبه الى فضيله شملت كثيرا من العرب، و تلك هى دخولهم فى الاسلام لالله بل اما لرغبه او رهبه على حين فاز اهل السبق بسبقهم الى الله و حصل المهاجرون و الانصار على ما حصلوا عليه من الفضايل المسعده. ثم لما ظهر هذه الفرق من فضائله رذائل خصمه نهاه عن امرين:احدهما:ان لا يجعل للشيطان فى نفسه نصيبا. و هو كنايه عن النهى عن اتباعه للهوى. و الثانى:ان لا يجعل له عليه سبيلا. و هو كنايه عن النهى عن انفعاله عنه و فتح باب الوسوسه عليه، و هذا النهى يفهم منه انه قد جعل لل
شيطان فى نفسه نصيبا و له عليه سبيلا و ان ذلك النهى فى معرض التوبيخ له على ذلك. و بالله التوفيق.