شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ثم عقب بالوصيه بتقوى الله فانها خير زاد عند الله يستعقبه الانسان من حركاته و سكناته و لما كان كذلك كان خير ما تواصى به عباد الله. و قوله:و قد فتح باب الحرب بينكم و بين اهل القبله. الى قوله:غيرا. اعلام لاصحابه بحكم البغاه من اهل القبله على سبيل الاجمال، و احال التفصيل على اوامره حال الحرب، و قد كان الناس قبل حرب الجمل لايعرفون كيفيه قتال اهل القبله و لا كيف السنه فيهم الى ان علموا ذلك منه عليه السلام. و نقل عن الشافعى انه قال:لو لا على ما عرفت شى ء من احكام اهل البغى. و قوله:و لايحمل هذا العلم الا اهل البصر. اى اهل البصائر، و العقول الراجحه، و الصبر:اى على المكاره و عن التسرع الى الوساوس، و العلم بمواضع الحق. و ذلك ان المسلمين عظم عندهم حرب اهل القبله و اكبروه، و المقدمون منهم على ذلك انما اقدموا على خوف و حذر. فقال عليه السلام:ان هذا العلم لايدركه كل احد بل من ذكره. و روى العلم بفتح اللام، و ذلك ظاهر فان حامل العلم عليه مدار الحرب و قلوب العسكر منوطه به فيجب ان يكون بالشرائط المذكوره ليضع الاشياء مواضها. ثم امرهم بقواعد كليه عند عزمه على المسير للحرب و هى ان يمضوا فيما يومرون به و يقفوا
عند ما ينهون عنه و لايعجلوا فى امر الى غايه ان يتبينوه:اى لايتسرعوا الى انكار امر فعله او يامرهم به حتى سالوه عن فايدته و بيانه. فان له عند كل امر ينكرونه تغييرا:اى قوه على التغيير ان لم يكن فى ذلك الامر مصلحه فى نفس الامر و فايده امرهم بالتبين عند استنكار امر انه يحتمل ان لايكون ما استنكروه منكرا فى نفس الامر فيحكمون بكونه منكرا لعدم علمهم بوجهه، و يتسرعون الى انكاره بلسان او يدفيقعون فى الخطا. قال بعض الشارحين:و فى قوله:فان لنا عند كل امر ينكرونه تغييرا. ايماء الى انه ليس كعثمان فى صبره على ارتكاب الناس لما كان ينهاهم عنه بل يغير كل ما ينكره المسلمون و يقتضى العرف و الشرع تغييره.ثم اخذ فى التنفير عن الدنيا بامور:الاول:التنفير عن تمنيها و الرغبه فيها و عن الغضب لفوتها و الرضى بحصولها بكونها ليست الدار و المنزل الذى خلقوا له و دعوا اليه، و استلزم ذلك التنفير التنبيه على ما ورائها و العمل له الثانى:نفر عنها بفنائها عنهم و فنائهم عنها. الثالث:بانه لا فائده فيها فانها و ان كانت تغر و تخدع بما فيها مما يعتقد خيرا و كمالا فان فيها ما يقابل ذلك و هو التحذير بما فيها من الافات و التغيرات المتعدده شرا فينبغى ان يتركوا خيرها القليل لشرها الكثير، و اطماعها لتخويفها، و يسابقوا الى الخير الخالص و الدار التى دعوا اليها و خلقوا لاجلها، و يتصرفوا بقلوبهم عنها:اى يزهدوا الزهد الحقيقى فيها فان الزهد الظاهرى مع الحنين الى ما زوى منها عن احدكم غير منتفع و به خص حنين الامه لان الحنين اكثر ما يسمع من الامه لان العاده ان تضرب و توذى فيكثر حنينها. و روى خنين بالخاء المعجمه. و الخنين كالبكاء فى الانف. و اذ امر بالزهد الحقيقى امر بالصبر على طاعه الله و عبادته و المحافظه عل اوامر كتابه و نواهيه اذ بالزهد يكون حذف الموانع الداخله و الخارجه، و بالطاعه و العباد يكون تطويع النفس الاماره بالسوء لل
نفس المطمئنه. و هما جزاء الرياضه و السلوك لسبيل الله. و رغب فى الصبر على طاعه الله بان فيه استتماما لنعمه الله. و ظاهر ان طاعه الله سبب عظيم لافاضه نعمه الدنيويه الاخرويه. ثم اكد الامر بالمحافظه على ما قام من الدين بانه لا مضره فى ترك شى ء من الدنيا و تضييعها مع المحافظه على الدين لما فى المحافظه على الدين من الخير الدائم التام الاخروى الذى لا نسبه لخير الدنيا اليه، و بانه لا منفعه فى المحافظه على ما فيها:اى فى الدنيا مع تضييع الدين و اهماله. و ذلك امر مفروغ عنه و مستغنى عن بيانه. ثم ختم بالدعاء لهم و لنفسه باخذ الله بقلوبهم الى الحق:اى الهامهم لطلبه و هدايتهم اليه و جذبهم الى سلوك سبيله، ثم الهامهم الصبر:اى على طاعته و عن معصيه. و بالله التوفيق.